لا زالت تُعرف الديمقراطية على انها افضل وأنجع الأنظمة وأكثرها استقراراً على مر التاريخ ، حيث انها تمتاز بتوجه عادل ذات طابع ونمط يترتب ويتبلور على استراتيجية وأيديولوجية فذة تلوح في الأفق السياسي، فالديمقراطية تعتمد على اُسلوب حياة اجتماعي، اقتصادي وسياسي يضمن حرية الفرد وحقوقه ويقوم على المساواة وحرية الرأي والفكر.
الديمقراطية تيار معتدل ذات لغة ولكنة واحدة، يهتف للحرية وضمان الحقوق، الا ان في زماننا هذا اختلفت الموازين ، فأصبح لكل نظام لغة وتعريف مختلف من دولة الى اخرى وقد تكون هذه اللغات مختلفة عن مبدأ وجوهر لغة النظام الأساسية وهذا أدى الى مناخ سياسي غير مستقر في العديد من الدول وزعزع استقرار البعض .
عندما تتلون الأنظمة حتماً ولا بد سيهتز كيان الصور الاساسية ذات الطابع التعريفي العميق والجوهري لكل نظام ونظام .
هذا هو الواقع السياسي الذي يعكس توجه بعض الدول وخاصة في الشرق الأوسط .
اذا اتينا الى محيطنا القريب وبنظرة أعمق الى اسرائيل نرى حديثاً ديمقراطية بلغة اخرى !
اسرائيل على مدار العقود اختلفت وتنوعت لغات ديمقراطيتها، لكن نرى ان في هذه السنوات الاخيرة هناك تنوع واختلاف راديكالي ملحوظ وغير مسبوق وفي ظل النضوج والوعي السياسي نستطيع ان نميز هذا الاختلاف .
في مفهوم ديمقراطية دولة اسرائيل هذا الأيام تنتج حالة استثنائية، مفصلية وانتقالية تؤشر الى ان هناك توتر يسود في الجو الديمقراطي العام وخاصة في اروقة الكنيست وبين اوساط السياسيون ، حيث ان القوانين التي تم اقرارها وتمريرها مؤخراً بالقراءة الثانية والثالثة تؤشر الى جو غير مفهوم ضمناً يضع الديمقراطية في حيّز الشك وتحت المجهر.
هذه القوانين تحمل صبغة مركبة وكولونيالية رجحت كافة الموازين وجذبت الرأي العام الى الاستغراب والاستنفار وحلقت به الى التخبط بين مؤيد ومعارض .
سلسلة هذه القوانين تشن هجمة شرسة على الديمقراطية ، صحيح انها مرت وأقرت بشكل ديمقراطي لكنها تتنافى مع الديمقراطية الحقيقية والسبب الوحيد الى تمريرها هو انتهاج بعض النواب سياسة انتهاز الفرص واستغلال بعض المواقف تحت راية الضغط الجماهيري .
مثال على هذا قانون الاقصاء الذي تم تمريره في ظل خطاب النائبة زعبي الذي اثار ضجة عارمة وموجات غضب في الشارع الاسرائيلي وقانون الجمعيات، حيث ان البعض اعتبر هذا القوانين على انها ملاحقة سياسية للنواب وايضاً الجمعيات.
ينص قانون الاقصاء على ابعاد أي نائب عن البرلمان نتيجة موقف معين وهذا بشرط موافقة وتصويت 90 نائب ، هذا الامر يتناقض ويتنافى مع الديمقراطية ويخلق ديمقراطية ذات لغة اخرى، صحيح ان عملية التصويت هذه ستكون ديمقراطية، لكنه من غير المعقول والمنطقي ان يتم ابعاد واقصاء نائب يمثل شريحة جمهور واسعة انتخبه كي يمثله عَلى أيدي نائب وزميل له في البرلمان فتعطى له صلاحية تقرير مصيره ومصير جمهوره ، هذا يتنافى، يتناقض ويتعارض مع الديمقراطية الحقيقية .
كذلك قانون الجمعيات الذي يفرض على كل جمعية مسجلة ان تكشف وتطلع على مصادر تمويلها ودعمها، من جهة هذا القانون يدعم الشفافية والمصداقية ومن جهة اخرى يفرض ملاحقة سياسية لتضييق الخناق على عمل هذه الجمعيات .
دولة اسرائيل هي الدولة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط لكن هذا لا يعطيها الصلاحية في تغيير الصبغة الديمقراطية ، عليها ان تقارن نفسها مع الدول الغربية ، هذه المقارنة ستفرض تحدي جديد لها وحتما ستعيد الصبغة الاساسية لديمقراطيتها .
مهما مر من الزمان ومهما خذلتنا الظروف حتماً ولا بد ستُعيد الديمقراطية ادراجها ولن تهزمها اي لغة اخرى .
انا على يقين اننا جميعاً نحمل قاسم مشترك وهموم مشتركة ما بين الهم اليومي وما بين القضايا الكبرى، خلقنا لنعيش سويةً هنا وعلينا ان نتعاون ونتأقلم كي نعمل على اعادة امجاد هذه الديمقراطية من اجل تفكيك الهموم ، من اجل المساواة، من اجل السلام ومن اجل الانسانية .
قد يكون للسياسة دروب ملتوية، لكن درب الديمقراطية يخلوا من الالتواء ووقت مداواة جروح الديمقراطية قد حان.
[email protected]
أضف تعليق