بقي شهران تقريباً، حتى يصطدم الفلسطينيون بمحطة مهمة هي الأولى منذ العام 2005، وقت أن جرت الانتخابات المحلية في الضفة والقطاع بإشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، التي لم تكن بعد قد تعرضت لكارثة الانقسام، التي منعت إجراءها مرة أخرى إلى أن تجري الانتخابات في تشرين الأول القادم.
خلال هذه السنوات الطوال، جرت الانتخابات المحلية في الضفة الغربية العام 2012 فقط، فيما بقيت الإدارات المحلية في قطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس التي سبق لها أن استبدلت حتى الهيئات المحلية التي تم انتخابها في العام 2005.
على الأرجح أن «حماس» في حينه لم تدرك أن ما أصابها من حصار سيصيب الهيئات البلدية المنتخبة وغير المنتخبة ما حرم تلك الهيئات من مخصصات الدعم التي تمكنها من تقديم وتحسين خدماتها، وأداء واجباتها على نحوٍ أفضل.
البلديات في قطاع غزة، قدمت نموذجاً صارخاً للآثار المدمرة التي ترتبت وتترتب على الانقسام، وغياب الشرعية، خصوصاً الشرعية الشعبية عَبر صناديق الاقتراع.
حين اتخذت حكومة الوفاق الوطني قرارها بإجراء الانتخابات المحلية وحددت موعدها في الثامن من تشرين الأول القادم، لم تكن قد أجرت حوارات مسبقة، ولم تفعل ذلك الفصائل للتأكد من أن هذه الانتخابات ستحظى بموافقة وطنية عامة من قبل كافة الفصائل، وربما أن البعض راهن على أن حركة حماس لن توافق على إجرائها في ضوء غياب المصالحة الوطنية ما يعني أن موافقة «حماس» بعد تردد، ربما كانت مفاجئة.
لا شكّ أن الفصائل الفلسطينية الأخرى، قد ساهمت في إقناع حركة حماس بحسم ترددها، بعد أن تبينت نوع وحجم الامتيازات التي ستحصل عليها ومنذ إعلان قرارها، استحوذت على اهتمام وسائل الإعلام التي تحاول أن تجد تفسيراً لهذا الموقف الذي يشكل «تحوّلاً» في موقف الحركة من الانتخابات في ظل استمرار الانقسام.
التصريحات التي صدرت عن مسؤولين في «حماس» تنطوي على حماسة لإجراء الانتخابات، ولكنها تنطوي على غموض فيما يتعلق برؤية الحركة لكيفية المشاركة فيها، حتى اعتقد البعض أن «حماس» ستحاول إما بأن تفوز بها كحركة، وإما أن تكتفي بتقديم قوائم حزبية غير مغلقة بما يتيح المجال لمشاركة قوى أخرى، غير أن قراءة بعض التصريحات تشير رغم إيجابيتها إلى أن الحركة ستتعامل مع هذه الانتخابات باعتبارها استفتاءً على شعبية القوى، خصوصاً إذا كانت هذه الانتخابات ستكون مؤشراً ومحطة نحو إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية قد تجرى بتوافق أو من دون توافق وطني على غرار ما تم بالنسبة للانتخابات البلدية.
وبغض النظر عن طريقة تفكير الحركة في كيفية التعامل مع انتخابات تشرين الأول فإن قرار «حماس» بالموافقة ينطوي على حكمة ودراسة عقلانية تخدم حركة حماس في كل الأحوال.
أولاً: «حماس» تسعى وراء تجديد شرعية مؤسساتها، وترى في ذلك سبيلاً لرفع أو تخفيف الحصار على الهيئات البلدية، خاصة وأن نتائج هذه الانتخابات بعيدة عن أن تكون إما أسود أو أبيض، ذلك أن لديها رصيدا شعبيا كبيرا يؤمّن لها حصة وافرة إن لم يكن أكثر.
ثانياً: تسعى «حماس» وراء تقديم نموذج لتعزيز مصداقية خطابها بشأن استعدادها للمصالحة، وبشأن حديثها عن الشراكة السياسية والمجتمعية، وأيضاً بشأن التزامها مبدأ الاحتكام لصناديق الاقتراع، والإرادة الشعبية.
ثالثاً: أمام حركة حماس تجربة الانتخابات البلدية التي جرت في الضفة الغربية العام 2012، وأظهرت مدى ضعف حركة فتح، بسبب تناقضاتها ومشاكلها الداخلية، وغياب الالتزام بما تقرره القيادة السياسية لـ»فتح». وأمامها، أيضاً، سابقة انتخابات مجلس طلبة جامعة بيرزيت التي فازت فيها على حركة فتح قبل أشهر قليلة، فيما يعتبر الكثير من المراقبين أن انتخابات جامعة بيرزيت تشكل الاستفتاء أو المقياس الأكثر موضوعية لجماهيرية القوى في الضفة.
عملياً حركة فتح لم تستفد من دروس تجربة الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2006، حيث حصلت على عدد أكبر من الأصوات الانتخابية لكنها لم تحصل على مقابل ذلك على مستوى عضوية المجلس التشريعي، وفي الواقع فإن أحوال «فتح» أسوأ مما كانت عليه خلال الانتخابات التشريعية السابقة.
رابعاً: تراهن حركة حماس على أن حركة فتح لا تسعى، وربما إن سعت لن تنجح في أن تدخل ضمن قوائم انتخابية مشتركة مع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، هذه الفصائل التي يتجنب بعضها مثل «الشعبية» و»الديمقراطية» أن تبدو المعركة وكأنها بين المنظمة وبين الإسلام السياسي الفلسطيني، وحتى لا تبدو نتائج الانتخابات وكأنها استفتاء على منظمة التحرير ومكانتها.
«حماس» رابحة في كل الأحوال، بل هي الرابحة في كل الأحوال ذلك أن النتائج مهما كانت فإنها لن تمس أو تنال من سيطرتها على قطاع غزة.
إذا كانت هذه القراءة صحيحة أو قريبة من الصحة، فإن السؤال حول ما إذا كانت الانتخابات ستتم في موعدها أو لا مرهون بقرار من حركة فتح، وبالتالي الحكومة، أما الذرائع فهي متوفرة ويمكن استدعاء المزيد منها، وسؤالنا: من الذي سيضمن سلامة العملية الانتخابية وعدم تعرضها لتدخلات، أو عمليات تزوير، أو منغّصات طالما أن الأمن في قطاع غزة غيره في الضفة ولا يخضع لسلطة حكومة الوفاق؟ إن لم تكن هذه ذريعة لتأجيل الانتخابات فقد تتحول إلى ذريعة لاحقاً لإجرائها، تندلع خلالها الاتهامات المتبادلة بالتزوير والتدخل إن لم تكن النتيجة مُرْضِية للطرفين، خصوصاً إذا لم تخضع العملية قبل إجرائها إلى توافقات وطنية جامعة.
[email protected]
أضف تعليق