بينما تحتل الساحة السورية عنوان الاجتماعات المتلاحقة بين وزيري خارجية روسيا والولايات المتحدة، فإن الساحة العراقية، انطلاقاً من "الموصل" تشهد اجتماعات وتفاهمات ذات أبعاد دولية، تتجاوز الاجتماعات الثنائية الروسية ـ الأميركية، واقع الأمر إن حرباً على مستوى دولي واسع، تشهدها الساحة السورية عَبر عشرات الآلاف من المقاتلين الذين عبروا إلى البلاد من مختلف أصقاع العالم، ومن اتجاهات ذات طبيعة "دينية إسلامية" في الغالب، مقاتلون هم أقرب من المرتزقة منهم إلى مقاتل صاحب قضية، هؤلاء في واقع الأمر جعلوا من سورية ساحة دولية بالفعل، كونهم يحاربون النظام بنفس الهمّة التي يحاربون بها أنفسهم، عَبر فصائل ومنظمات عجز القاموس عن استيعاب مسمّياتهم وتعدادهم، العالم كله موجود على الأرض السورية مدعوماً هذه المرة، من قبل تحالفات مالية وتسليحية تضمّ الولايات المتحدة وبعض دول الخليج العربية.
بينما هناك في الساحة العراقية، قوى عديدة لكنها أقل بكثير مما هو الأمر عليه في الساحة السورية، هناك أقطاب أميركية وإيرانية و"داعشية"، ناهيك عن فسيفساء النظام العراقي، الذي بدوره يتجاوز حقيقة مصطلح "نظام"؛ مع ذلك، هناك إعداد لحرب عالمية انطلاقاً من العراق وتحديداً الموصل، بدعوى تحريرها من "داعش" في ظل شعار الحرب على الارهاب، مثل هذا الأمر، وبالرغم مما أشرنا إليه من "عالمية" الساحة السورية، لم يستدعِ الدعوة للحرب على "داعش" انطلاقاً من حلب أو الرقّة!! قبل أسبوعين، وتحديداً في الحادي عشر من تموز الجاري، قام وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر بزيارة مفاجئة إلى العاصمة العراقية، تقرر اثرها إرسال 560 جندياً أميركياً إضافياً إلى العراق، كان ذلك في ذروة عملية تحرير الموصل، وما تحقق من إنجازات عسكرية بتحرير أطراف المدينة، بعد معارك خاضها الجيش العراقي، لكن أسهم "الحشد الشعبي" كانت هي الأكثر تداولاً ارتباطاً بهذه الإنجازات، توقيت زيارة كارتر، والقرار الأميركي بزيادة عديد القوات الأميركية، فتح المجال أمام تفسيرات عديدة، أهمها، ان هذه "الإنجازات" لا يجب أن تغيب عن المساهمة الأميركية، إلاّ أن أهم التفسيرات على هذا الصعيد كانت تدور حول عملية "مجابهة" بين دورين، دور أميركي في مواجهة مع الدور الإيراني الداعم والمساند "للحشد الشعبي"، ويؤكد أصحاب هذا التفسير أن الرفض السريع والمباشر والمعلن من قبل قيادة "منظمة بدر" بلسان أمينها العام هادي العامري، لزيارة كارتر والإعلان عن الدفع بقوات أميركية جديدة، مشيراً إلى أن "العراقيين" ومنهم "الحشد الشعبي" ستشارك في معارك الموصل لتحريرها رغم أنف المعترضين سواء أكانوا عراقيين عرباً أم أجانب [مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية]. إلاّ أن بعض وسائل الإعلام الأميركية، التي أشارت إلى "البعد الإيراني" في الدور الأميركي في حرب "الموصل" إلاّ أنها اعتبرت أن التوجه الأميركي الجديد له بعد تركي واضح، فيما أسمته هذه الوسائل الإعلامية، بالخريطة السياسية للعراق "بعد داعش" فقد لوحظ أن تركيا اضطرت للانكفاء في سورية نتيجة لتأييد أميركي معلن للأكراد على الساحة السورية، هذا الانكفاء أدى إلى تمدد تركي مسلح في شمال العراق، وعلى ضوء التوتر في العلاقات بين واشنطن وأنقرة، فإن الوجود العسكري الأميركي سيكون مؤثراً بشكل واضح على الترتيبات المحتملة بعد هزيمة "داعش".
ومع أن الحرب على داعش، هي حربٌ إقليمية فيما يتعلق بميدان الحرب، إلاّ أنها تتجاوز هذا البعد، لتصبح حرباً دولية، بالنظر إلى الأطراف المشاركة فيها، فهناك ستون دولة تشارك في التحالف الدولي ضد "داعش" بينما شاركت أربعون منها في المؤتمر الخاص بالتحالف بالعاصمة الأميركية واشنطن قبل أربعة أيام، تحت عنوان تحرير الموصل، وتبين مما رشح من هذا المؤتمر ومن خلال تصريحات المسؤولين المشاركين في هذا المؤتمر، ووزراء الدفاع والخارجية لعددٍ كبير من هذه الدول، أن هناك حرباً عالمية بالفعل، تبين أن هناك مستوىً عاليا من التنسيق بين مختلف هذه الدول، بحيث "يكون لدى حارس الحدود في جنوب أوروبا نفس البيانات التي لدى ضابط أمن المطار في مانيلا أو موظف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي في بوسطن [تصريح لجون كيري ـ كما نقله موقع "أخبار العراق"]. وهي حرب دولية، ليست بسبب المشاركة الدولية الواسعة فيها فحسب، بل بتقاطع المصالح وتعارضها، ومساحة الحصة السياسية والجغرافية، لكل دولة مشاركة، إنها حرب دولية، لأن أي متابعٍ بإمكانه أن يلاحظ بسهولة، عالماً مصغّراً موجوداً في هذه البقعة التي ابتليت بالإرهاب، من خلال معظم الدول المتحالفة التي تستعد ـ كما تقول ـ لدحر الإرهاب الداعشي الذي صنعته بنفسها!!
[email protected]
أضف تعليق