أقرت الحكومة مؤخرا إقامة منظومة لفرض قوانين التنظيم والبناء في المجتمع العربي، وفي صلب هذا القرار، نقل صلاحيات تطبيق القانون إلى السلطات المحلية العربية، إلى جانب استخدام آليات كفرض المخالفات ومنح الصلاحيات لمفتشي وحدة التطبيق باستخدام القوة. هذا القرار والذي قد يؤدي إلى التصعيد بعمليات الهدم يأتي قبل أن تحول الميزانيات الضرورية لدعم السلطات المحلية وإيجاد الحلول للضائقة السكنية فيها والتي أقرتها الحكومة قبل نصف عام فقط، هو قرار مضر يزج المواطنين العرب في زاوية لا يمكنهم القبول بها.
وفيما يلي موجز للفصول السابقة من هذه القضية: قبل أشهر قليلة فقط، أقرت الحكومة خطة لتقليص الفجوات (قرار 922، المعروف أيضا كـ "الخطة الاقتصادية لتطوير المجتمع العربي")، والتي أعدت لعدة أهداف من بينها توفير حلول للنقص بالخطط الهيكلية والخطط التفصيلية في السلطات المحلية العربية، تعزيز أقسام الهندسة في السلطات المحلية العربية وسد الفجوات التخطيطية التي نتجت جراء عشرات السنوات – نتيجة للسياسات الحكومية المتواصلة. كان الهدف بأن يتم تأسيس بنى تحتية تخطيطية، يتم بعدها إتاحة الفرصة لإصدار رخص للبناء. بعد سنوات من الفوضى التخطيطية والإهمال طويل الأمد لقضايا التخطيط في البلدات العربية، من قبل مؤسسات التخطيط القطرية، تم وأخيرا، اتخاذ خطوة أولى للتخفيف من ضائقة السكن الخانقة لدى المواطنين العرب.
وها هي الحكومة وقبل أن تبدأ بالتنفيذ الجدي لقرارها بتقليص الفجوات في مجال السكن، بل وقبل أن تصادق نهائيا على خطة سكنية واحدة، جاءتنا بقرارها المضر الأخير، لتطلب فرضا تاما للقانون بشأن البناء غير المرخص وهو ما يعني تصعيدا بعمليات هدم المنازل. دون إيجاد الحلول الإسكانية البديلة، دون توفير الموارد ودون إتاحة مهلة للبلدات لإعادة تنظم شؤونها، دون مخططات سارية المفعول والتي يمكن من خلالها إصدار رخص للبناء، تجد السلطات المحلية العربية نفسها أمام حالة عبثية – إنعدام التخطيط للمسكن والأرض المعدة للتطوير مقابل تفاقم أزمة السكن.
فلتطمئن الحكومة: المجتمع العربي لا يخرج كاسبا من البناء غير المرخص. إنما العكس هو الصحيح، إذ أن الشخص الذي يبني دون ترخيص تفرض عليه مخالفات تثقل كاهله ويبقى تحت التهديد الدائم بهدم بيته. كما أن الضرر عميق أيضا على المستوى الجماعي فالبناء غير المرخص يتم على الغالب على أرض خاصة في داخل البلدات ويمس بامكانيات تطويرها وبقدرات السلطة المحلية بأن توفر للمواطنين بنى تحتية، مؤسسات عامة وهو ما يمكن اختصاره بكلمتين – جودة الحياة. لكن، عند المس بالحق الأكثر أساسية، وهو الحاجة إلى سقف يأوي العائلة، فأي خيار يبقى أمام الأزواج الشابة التي بدأت حياتها للتو؟
على الدولة أن تبدأ العمل بالاتجاه المعاكس تماما. أولا، عليها أن تؤسس البنى التحتية التخطيطية وأن تضمن للسلطات المحلية العربية مكانتها كسلطات قادرة، أولا، على التخطيط والتطوير بناء على حاجة السكان، وليس كسلطة تنشغل دوما بإطفاء الحرائق. من أجل ذلك يجب أن ينفذ بشكل واسع القرار الحكومي رقم 922 لسد الفجوات بالسكن، لتوسيع مناطق النفوذ وتخصيص أراضي الدولة للسكن، لدعم وتعزيز أقسام الهندسة وتوفير الميزانيات بأسرع ما يمكن بهدف تجنيد القوى البشرية اللازمة، وامتلاك الآليات التكنولوجية ووضع البرامج التأهيلية والمزيد.
مع إزالة العوائق، سيكون القطاع الخاص معنيا بالبناء على الأراضي الخاصة وستتسع إمكانيات المسكن. سيتم توفير بدائل سكنية ملائمة في البلدات العربية وخارجها وقد يتطور سوق العقارات فيها للمبادرين والمقاولين وتكون لأصحاب الأراضي مصلحة بالتطوير ومواصلة بناء الوحدات السكنية في البلدات العربية.
ثمة حاجة إلى مهلة زمنية لإعادة التنظيم في البلدات العربية، والتي توفر الدولة خلالها حلولا سكنية حقيقية للمجتمع العربي، ويتم خلالها أيضا تنظيم الأبنية التي أقيمت في المناطق المعدة للتطوير. فقط بعد هذا كله، يكون من الممكن فرض منع على البناء غير المرخص. السلطات المحلية العربية، قيادات الجماهير العربية، والجمهور عامة يجب أن يكونوا شركاء مركزيين في عملية كهذه. لن تجدي نفعا أي "حملة إقناع" للمواطنين العرب بأي سيناريو يكونون فيه بموقع المتفرج الخامل. يجب التحرك بتعاون تام وبوضع خطة عمل مقبولة على كافة الأطراف.
إذا ما العمل؟ على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها لضمان الشراكة الندية، التنظيم، التطوير، البناء، وفقد بعد ذلك – فرض القانون. دون الشراكة، التمويل وتوفير الحلول السكنية فعليا، فإن آلية الفرض هي عملية عاقر، قد تؤدي إلى فشل الخطة لتقليص الفجوات وتكون حجرا آخرا في جدار انعدام الثقة الفاصل ما بين الدولة والمواطنين العرب.
- الكاتبان مخططا مدن في قسم السياسات المتساوية، جمعية سيكوي.
[email protected]
أضف تعليق