تثير تفجيرات المدينة المنورة والقطيف من جديد التساؤلات حول مستقبل الصراع مع "داعش" ومخاطر استفحال ظاهرة التطرف على مستقبل العالم الإسلامي برمته، والأهم ما يتوجب عمله لتفادي الأسوأ.
وما حدث من تفجيرات في السعودية والذي انتهك كما يفعل دائما كل المحرمات، ولم يردع مرتكبيها لا قدسية الشهر الكريم، ولا الحرم النبوي الشريف ولا حرمة الدم، يضع الرياض وجها لوجه أمام خطر داهم، ووباء لا مناص من مواجهته بمختلف السبل وبلا هوادة.
إلا أن ظاهرة التطرف الديني في تجلياتها العملية العنيفة تفرض استحقاقات حازمة، وتتطلب إجراءات بعيدة النظر واستراتيجية متكاملة لا تقتصر على الردع الأمني، فهذا الإرهاب بعينه ليس أمرا عارضا يرتبط وجوده بأشخاص محددين مثل أي ظاهرة إجرامية يمكن القضاء عليها ووضع حد لها بعزل أصحابها والقصاص منهم.
ولا يمكن مواجهة إرهاب القاعدة وداعش من دون التعامل مع هذين التنظيمين وأشباههما على حد سواء في أي مكان على وجه الأرض، ومن الخطر التساهل مع الإرهاب بمختلف أشكاله في منطقة بعيدة والفزع منه فقط حين يقترب، مثل هذا السلوك لن يؤدي إلا إلى استفحال خطره وتمدده طولا وعرضا.
ويتعين بالدرجة الأولى التعامل مع الإرهاب بشفافية وبمكيال واحد مثلما يفعل هو بالضبط، إذ أنه لا يخفي تكفيره للجميع، وقد أظهر مرارا أنه لا يفرق بين أرض وأخرى، ولا يتورع عن استهداف الآمنين في المساجد والأسواق، وفي الأماكن العامة في العراق وسوريا والسعودية والكويت ومصر وليبيا واليمن، وفي كل مكان تصل إليه قنابله البشرية المتفجرة.
ولا يمكن لأي دولة أخرى غير السعودية أن تقود مواجهة حقيقية ضد هذا النوع من الإرهاب لأسباب موضوعية كثيرة، إلا أن ذلك يتطلب قرارات جريئة وتدابير صارمة تبدأ من تشخيص حقيقي لظاهرة التطرف الديني في تجلياتها العملية العنيفة وجذورها التاريخية وبؤرها الكامنة، وتنتهي بتجفيف منابع تمويله ووقف أي دعم لأي تنظيمات مسلحة وبأي لبوس كانت، والعمل على إبرام اتفاق قاطع بهذا الشأن يلتزم به الجميع.
واللافت أن دول العالم الإسلامي انخرطت لعقود في برامج لتقريب وجهات النظر بين الأديان المختلفة، تضع قواعد للتعايش وخاصة بين الإسلام والمسيحية، إلا أنه لا يوجد نشاط حقيقي لحوار داخلي بين السنة والشيعة على الرغم من خطورة هذه المسألة، ولأن التطرف يتغذى على مثل هذه التناقضات المذهبية، ونيرانه تستعر بهذه النعرات وتجد فيها بيئة مناسبة لإضرام النار ودق أسافين العداوة والبغضاء بين أبناء الطائفتين. ويعي المتطرفون جيدا أن الطائفية تمد حرائقهم وجرائمهم التي يضفون عليها القداسة بحطب لا تخبو نيرانه بامتداداتها التاريخية الدفينة، التي يوجد في كلا المعسكرين من يحرك جمرها.
ويبدو الموقف من حوار الأديان في ظل غياب حوار إسلامي داخلي مشابهة بشكل ما للوضع القائم الآن في الشرق الأوسط فيما يخص تسوية القضية الفلسطينية والتي يستغلها المتطرفون هي الأخرى في دعاياتهم لنهجهم.
ونرى هناك أن الفلسطينيين والعرب ينتظرون بفارغ الصبر حل الدولتين فيما يقيم الفلسطينيون أنفسهم عمليا دولتين، واحدة في الضفة وأخرى في غزة.
وهذا يعني أنك لا تستطيع أن تحل القضايا الكبيرة وأنت مثقل بقضايا أصغر منها. كما يدل ذلك على أن مواجهة القاعدة وداعش وأخواتهما لا تكون إلا ببرنامج شامل يتجاوز الحدود والمصالح الجغرافية والمذهبية الضيقة وينتقل من الخاص إلى العام. برنامج طويل الأمد ومتعدد المستويات ولن يكون سهلا، ودون الكثير منه الأهوال بسبب الخطوط الحمر والثوابت المصطنعة والأحقاد المزمنة، لكن مثل هذه الاستحقاقات الصعبة لا يمكن القفز فوقها في أي عمل جاد لاحتواء العنف الديني المادي والمعنوي.
وسيكون واهما من يعتقد أن الغارات الجوية بما فيها الدولية أو المداهمات الأمنية لوحدها كفيلة بالقضاء على الإرهاب، وإذا اتكلنا على مثل هذا الانطباع المخدر واستمرأنا ما نحن فيه، سنجد أنفسنا محاصرين بنيران عنف أشد، وسيصبح العالم الإسلامي بمثابة كوكب مشتعل في مجرة تملؤها الأدخنة.
[email protected]
أضف تعليق