يحق لنا في الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ان نفخر بأننا سبقنا الحركة الإسلامية في أكثر من دولة عربية وبالذات في تلك التي أتاحت أنظمتها للحركة ان تشارك في الفعل السياسي بصوره المختلفة كفلسطين والأردن ، في صياغة مشروع سياسي رصين بعيد عن الشعبوية والشعاراتية ودغدغة العواطف ، ارتكز الى رؤية موضوعية وواقعية شامخة تعتز بالثوابت التي لا حيدة عنها ولا مساومة عليها ، وفي جوهره مشاركة المجتمع الذي تعيش فيه في كل ميادين الحياة ومنها " الاشتغال " و " الانشغال " بالسياسة بكل صورها واشكالها المشروعة ، وذلك كجزء من استراتيجية التأثير والتغيير بغض النظر عن حجمه في المرحلة الأولى ، وبعيدا عن سياسة الانكفاء نحو الذات الذي تبنته بعض الحركات الإسلامية على نحو ما جرى في فلسطين والأردن عند منعرجات هامة من تاريخهما ، حيث قاطعت فيها الانتخابات البرلمانية والمحلية بدعاوى لم تَرْقَ يوما إلى اقناع أصحابها ناهيك عن اقناع القواعد الحركية وتلك المناصرة والمؤيدة والمحبة ، وذهبت بعيدا في انتقاد الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني التي سبقت في بلورة رؤيتها السياسية على جميع مستوياتها ، الى درجة تواطؤها مع قلة قليلة من أبناء حركتنا الإسلامية في الداخل الفلسطيني انتهت بتسجيلها صفحة سوداء في تاريخ العمل الإسلامي بانشقاقها الذي ما زال يؤتي ثماره النكدة حتى يومنا هذا.

لقد جاء قرار الحركة الإسلامية في فلسطين في العام 2006 بخوض الانتخابات البرلمانية تحت ظل الاحتلال وحرابه المسلطة ، والذي قلبت فيه الطاولة في وجه قرارها السابق منذ الانتخابات الفلسطينية الأولى بعد إقامة السلطة الفلسطينية ( بدون " الوطنية " حسب اتفاق أوسلو ) في العام 1996 ، والذي حَرَّمَ ( شرعا !!! ) في حينه خوض الانتخابات في ظل الاحتلال وافرازاته ( النجسة !!!!!!! ) ، جاء القرار ليثبت صحة موقفنا في الحركة الإسلامية في الداخل ، خصوصا وان الحركة الإسلامية الفلسطينية ما زالت مصرة على ممارسة حقها ليس في المشاركة في الانتخابات التشريعية فقط ، ولكن هذه المرة أيضا في الانتخابات الرئاسية الفلسطينية ايضا ، بالرغم من التجربة المريرة التي مرت بها منذ انتخابات 2006 وحتى الان ، بسبب تآمر الداخل ( دولة حركة فتح العميقة ) والخارج ( المجتمع الدولي ممثلا في الرباعية الدولية ) ، وكذلك تآمر عدد لا بأس به من الدول العربية (الشقيقة والصديقة !!! ) ، وبالرغم من استمرار الاحتلال بل واستفحاله وتغوله واغتياله الممنهج لفلسطين وطنا وشعبا ومقدسات ..

قدر الله سبحانه ان يتزامن قرار حركتنا الإسلامية في الداخل الفلسطيني خوض الانتخابات البلدية في العام 1989 على المستوى القطري ( قبلها في العام 1983 في بلدة كفر برا فقط ) ، مع قرار جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر خوض الانتخابات البرلمانية في نفس العام ، والتي انتهت بانقلاب العسكر عليها بعد اكتساحها للساحة السياسية ، ومع قرار الحركة الإسلامية في الأردن خوض الانتخابات المحلية والبرلمانية في ذات العام 1989 وبعدها في العام 1993 ، ومع قرار الحركة الإسلامية في مصر في دورات مختلفة في عهد المخلوع مبارك ..

اما قرار الحركة الإسلامية في الداخل بخوض الانتخابات البرلمانية في العام 1996 فقد تزامن مع قرار الحركة الإسلامية في الأردن وفلسطين الانكفاء نحو الذات ومقاطعة الانتخابات البرلمانية في كلا البلدين ، وكان لكل منهما أسبابه ومبرراته ، حيث كانت في الحالة الفلسطينية أيديولوجية ( شرعية ) محضة ( احتلال ، أوسلو .. الخ ) ، وفي الحالة الأردنية " شعاراتية " وإن لبست ثوب الموضوعية المحضة ( تغيير قانون الانتخاب القديم ، ووضع قانون الصوت الواحد الذي رأى فيه اخوان الأردن استهدافا لهم على وجه الخصوص ) . قاطعت الحركة الإسلامية في الأردن الانتخابات البرلمانية في دورات 1997، 2003، 2010، 2013 ، بينما شاركت في دروات 1989، 1993، 2007 .

جاء التغيير الحاد في موقف الحركة الإسلامية الفلسطينية من انتخابات المجلس التشريعي في العام 2006 ، حين اتخذت قرارا بالمشاركة في الانتخابات التي انعقدت في فلسطين في ذات العام ، الامر الذي فاجأ الكثير من الأوساط المتابعة محليا وإقليميا ودوليا ، وتراوحت المواقف من القرار بين مؤيد ومعارض ومشكك . لكن قرار المشاركة لم يفاجئنا في الحركة الإسلامية في الداخل ، حيث كنا على يقين بناء على دراسة الواقع الفلسطيني في كل مواقع تواجده ، ووعينا بديناميكية العمل الإسلامي وحيويته ، وطبيعة التحديات التي تواجهه ، أن الحركة الإسلامية في فلسطين ستصل عاجلا او آجلا إلى ما وصلت اليه حركتنا الإسلامية في الداخل من ضرورة الانخراط الفعلي في العمل السياسي كحلقة مساندة وداعمة لمجمل النشاطات الأخرى الدعوية والاجتماعية والاقتصادية والاغاثية والثقافية وغيرها ، هذا بالإضافة الى المساهمة في حمل الهم الوطني جنبا ال جنب مع باقي فصائل ومجموعات العمل الوطني ، لارتباط كل ذلك بمصير الامة ومستقبلها والذي يجب ان يكون للإسلاميين فيه المساهمة الأكبر ان استطاعوا ، والا تُتْرَك الساحة الوطنية على المستوى السياسي ومنه البرلماني للمجموعات الوطنية ذات الفكر العلماني ... الذي فاجأنا فعلا هو سرعة التغيير في القرار بين " مُحَرِّمٍ " و " مُجَرِّم " في العام 1996 الى " مُحَلِّلٍ " و "مُشَرْعِن" في العام 2006 . عشر سنوات كانت تكفي للحركة الإسلامية في فلسطين ان تصل الى ما وصلنا اليه مبكرا في الداخل من ضرورة " الاشتغال " بالسياسة ، وليس " الانشغال " بها فقط ، والذي تُوِّجَ بقرار الحركة خوض الانتخابات البرلمانية في العام 1996 ، بعد ان خاضت بنجاح تجربة الانتخابات البلدية منذ العام 1989 . كل ذلك على قاعدة أن المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسيا، بعيد النظر في شؤون أمته، مهتما بها غيورا عليها ، وأن على كل جمعية إسلامية أن تضع في رأس برنامجها الاهتمام بشؤون أمتها السياسية ، وإلا كانت تحتاج هي نفسها إلي أن تفهم معنى الإسلام .

بعيدا عن قناعتنا في الحركة الإسلامية في الداخل ان اخوان الأردن ( المستوى الدعوي وليس السياسي ) يتحملون المسؤولية الأكبر عن استمرار حالة الانشقاق في الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ، بسبب عدم وقوفهم على مسافة واحدة على الأقل من الطرفين مما يؤهلهم للعب دور الوسيط النزيه والحيادي في عملية رأب الصدع وإعادة اللحمة الى صفوف الحركة الإسلامية في الداخل ، بل زادوا على ذلك أن نفخت أوساط منهم في قربة الانشقاق ، وأشعلت النار تحت رمادها ، بعيدا عن ذلك كله ، فقد جاءت تجربة اخوان الاردن مؤخرا كأصدق شاهد على خطأ سياساتهم ، ابتداء من تفاقم الخلافات الداخلية التي كان من أبرز اعراضها انشقاق مجموعة معتَبَرة من قيادات الاخوان وتشكيلهم رسميا ( جمعية الاخوان المسلمين ) بقيادة المراقب العام السابق الدكتور عبدالمجيد ذنيبات ، مهدت الى تدخل الحكومة وأذرعها المختلفة لتأجيج الصراع الداخلي ، منحازة الى الفريق المنشق ، الامر الذي مهد لقرار الحكومة الأخير ( الاعلان الفعلي !! ) وليس الرسمي عن حظر حركة الاخوان المسلمين في الأردن والذي كان من ابرز اعراضه اغلاق مكاتبها ومقراتها في عمان والاقاليم بالشمع الأحمر .

كنا على ثقة كاملة ان اخوان الأردن سيضطرون تحت ضغط الظروف التي نشأت الى إعادة النظر في كل منظومات عملهم على المستويين الرسمي والشعبي ، وتغيير خطابهم (الشعاراتي) الى خطاب اكثر واقعية ، ولا بد ان تكون البداية قرارا بخوض الانتخابات البرلمانية بعد مقاطعة استمرت لسنوات طويلة ، بالرغم من أن أسباب المقاطعة ما زالت قائمة ، اعني بذلك قانون الانتخابات الذي ما زال دون تطلعات اخوان الأردن بكثير ، يليه – ربما – موقف اكثر عدالة من مسالة الانشقاق في الحركة الإسلامية في الداخل ، ورفع الغطاء عن شرعيته ، تمهيدا لإنهاء هذا الوضع الذي سُقوا من كأسه في الأردن في الفترة الأخيرة .

لذلك كم سعدنا في الحركة الإسلامية بقرار مجلس شورى حزب " جبهة العمل الإسلامي " الأردني وهو الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين ، بالأغلبية المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في المملكة الأردنية الهاشمية .

جاء الحديث عن القرار حاسما وواضحا لم يترك فرصة لأية عملية تشكيك من خلال ما صرح به الأستاذ محمد الزيودي ، الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي ، لوسائل الاعلام إن الحزب سيشارك في الانتخابات البرلمانية المقبلة ، المقررة في 20 أيلول/سبتمبر المقبل ، مؤكدا على أن القرار جاء خلال اجتماع عقده مجلس شورى الحزب ( أعلى هيئة به ) في مقر الحزب الرئيسي بالعاصمة عمّان ، بعد استفتاء جرى في قواعده المنتشرة في محافظات المملكة ، ووافق خلاله 80% على المشاركة .

هل جاء هذا القرار من فراغ ؟ طبعا لا . فقد وُلِدَ القرار من رَحِمِ ظروف محلية وإقليمية وعالمية عاصفة ما زالت تحيط بسفينة أصحاب المشروع الإسلامي وبالذات ( الاخوان المسلمون ) منذ نشأتهم في عشرينات القرن الماضي ، حيث زادت هذه العواصف ضراوة منذ انفجر بركان الربيع العربي ونجاح حركة الاخوان المسلمين في حصد ثمار هذه التحولات الديموقراطية في أكثر من بلد عربي وعلى راسها مصر وتونس ، بوصولها الى السلطة التشريعية والتنفيذية بأكثرية كبيرة في اول انتخابات ديموقراطية حقيقة تجري في العالم العربي منذ قرون .

تسونامي التغيير في منهجية التفكير السياسي لدى الحركة الإسلامية في الأردن من خلال القرار بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة ، لم يكن الوحيد على ما يبدو .. لقد اجتاح التسونامي هذا مجمل الساحات فَهَدَّ عروشا قيادية على مستوى حركة الاخوان الأردنية ذاتها حيث أعلنت الجماعة ( الأم ، لتمييزها عن المنشقة ) ، تشكيل " لجنة مؤقتة " لإدارة شؤونها ، بقيادة عبد الحميد الذنيبات ، خلفاً لقيادتها السابقة. وذكر بيان للجماعة ، " تعلن جماعة الإخوان المسلمين عن تشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة الجماعة برئاسة النائب السابق المهندس عبد الحميد إبراهيم الذنيبات، وعزام الهنيدي نائباً، وبادي الرفايعة أميناً للسر، وعضوية شاكر الخوالدة ومحمد الشحاحدة وزياد الميتاني ورامي ملحم وعارف حمدان ومعاذ الخوالدة ". وتضمّن البيان شكرًا للمراقب العام السابق همام سعيد، وأعضاء المكتب التنفيذي السابق "على جهودهم الخيرة في قيادة الدعوة عن المرحلة السابقة".

لن نطلب من الحركة الإسلامية في الأردن وفلسطين الاعتذار للحركة الإسلامية في الداخل ولمؤسسها ورئيس مرجعيتها الفكرية والفقهية فضيلة الشيخ عبدالله نمر درويش ، ولقيادات الحركة الذي خلفوه في هذا الموقع ، على ظلمهما لنا ولحركتنا على مدى اكثر من عشرين عاما هي عمر الانشقاق الذي قاده الشيخ رائد صلاح – عجل الله فرجه وفرج جميع المظلومين . كما لن نطلب منهما الاعتراف ان السياسة التي رسمها فضيلة الشيخ المؤسس هي الصحيحة وان النتائج التي وصلت اليها الحركتان الاسلاميتان في فلسطين والأردن بالذات في مسألة الاشتغال بالسياسة بما في ذلك انتخابات البرلمان ، قد سبقت اليها الحركة الإسلامية في الداخل بفضل الله تعالى أولا ، ثم بفضل رؤية مؤسسها الثاقبة والملهمة التي سبقت زمانها ، وأخيرا بفضل زهدها في الخطاب الشعاراتي المدغدغ لمشاعر الجماهير دون عقولها ، والذي اثبت فشله في اكثر من بلد عربي ، بل وَجَرَّ الويلات على الحركات الإسلامية عموما و "الإسلام السياسي" خصوصا .

كلنا امل في ان تراجع القيادتان الاسلاميتان في الاردن وفلسطين حساباتهما تجاه حركتنا الإسلامية المباركة في الداخل ، تمهيدا لإصلاح الخطأ التاريخي الذي ارتكبتاه في حقها ، بعدما ثبت صحة مواقفها وقراراتها في المجالين الدعوي والسياسي ، والذي اصبح الملهم للحركتين في فلسطين والأردن ، وان لم يعترفا بذلك حتى الان .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]