مر اليوم العالمي للاجئين الذي يصادف العشرين من حزيران كل عام، مثل أي يوم عادي، لا «طنة ولا رنة» اللهم الا استحضار عدد من التقارير والدراسات التي تتباكى على أحوال اللاجئين والنازحين في العالم، ولسان حالها الباطني يقول إن السبب من عند «الفرنجة». قبل أن نتعرف إلى أصل مشكلات اللاجئين والنازحين، فلعله من المهم الكشف عن أعدادهم في العالم، ذلك أن مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة قالت إن عدد هؤلاء زاد على 65 مليون نسمة وأن واحداً من بين 113 شخصاً في العالم مشرد وهو موزع بين كونه لاجئا أو طالب لجوء أو حتى نازحا. هذا الرقم الكبير الذي زاد خمسة ملايين عن عام 2015 الذي بلغ فيه عدد اللاجئين والنازحين 60 مليوناً، مرده إلى هذا الكم الكبير من الصراعات على طول وعرض الكرة الأرضية، دون أن تنتفي حقيقة الأوضاع المادية والاقتصادية الصعبة لدول فقيرة لا توفر الأمن والأمان لمواطنيها.
مشكلة اللاجئين ليست وليدة اليوم ولا نتيجة سياسة اليوم أيضاً، بل هي امتداد لمرحلة من الظلم والاستعباد كرستها دول غنية على حساب دول فقيرة، ذلك أن الغرب الاستعماري الذي استنزف قدرات العديد من الدول منذ مئات الأعوام، هذا الغرب هو الذي أسس لنموذج يقوم على التبعية والإلحاق. ويذكر العالم جيداً النموذج الفلسطيني في اللجوء والنزوح، ذلك أن اتفاقية سايكس بيكو لتقسيم الوطن العربي، والدور الإنجليزي في توليد دولة صهيونية تقوم على التوسع الاستيطاني وترحيل الفلسطينيين، وما يتبعها من سياسات دولية أخرى، جميعها وفرت المناخ للدولة العبرية حتى تستفرد بالفلسطينيين. نتاج الاستعمار الصهيوني الإحلالي هو لجوء ونزوح مئات الآلاف من الفلسطينيين عن منازلهم وتشتتهم في أصقاع الأرض، حيث بلغ عدد اللاجئين وفق إحصاءات جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني لنهاية عام 2015 حوالي 5.46 مليون لاجئ موزعين على دول عربية، ونحو 685 ألفاً في دول أجنبية. أما عدد اللاجئين والنازحين داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقدر بحوالي 42.8% من تعداد الفلسطينيين في غزة والضفة، فإذا بلغ عدد السكان 4.75 مليون فلسطيني، فإن اللاجئين والنازحين عددهم حوالي مليونين. الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية هي التي رعت وأنمت المشروع الصهيوني، وهذا الأخير قاد إلى تأسيس دولة على أنقاض طموحات الفلسطينيين، وخريطة أوضاع الفلسطينيين اليوم أنهم يصنفون بين لاجئ ومواطن ونازح وبدون جواز ولا هوية، هذا إلى جانب تشتتهم ولجوئهم إلى كل دول العالم. سورية ليست بعيدة عن النموذج الفلسطيني، سوى أن النزاع الذي بدأ داخلياً ثم سرعان ما أصبح نزاعاً بالوكالة، قد أنتج أوضاعاً صعبة وبالغة التعقيد، أدت إلى لجوء حوالي خمسة ملايين سوري إلى دول كثيرة، ونزوح ما يزيد على 6.6 مليون شخص إلى مناطق سورية هرباً من الصراع. نعم يمكن القول إن أصل المشكلة بدأ من الداخل، غير أن توسع القتال وانخراط دول كثيرة فيه، أدى إلى تدفق هذا العدد الكبير من اللاجئين إلى دول مجاورة وبعيدة في غضون أكثر من خمسة أعوام، وإذا ظلت الأمور على حالها دون حل للمسألة السورية، فمن المرجح أن نسمع عن أعداد أخرى من اللاجئين في طريقها إلى الخروج من هذا البلد.
هناك مسؤولية تقع بالفعل على بعض الحكومات التي صدّرت نظام حكم ضعيفا معجونا بالفساد والتبعية للغرب، جعل من المدن لا تصلح حتى للعيش، فإذا تجمع عدد من العوامل فإنها لا محالة تقود إلى اللجوء الطوعي. إذا تلاقت ثلاثية الفساد مع البطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة وغياب عوامل التنمية الحقيقية، إلى جانب ممارسة إكراهات سلطوية على المواطنين، فإن ذلك سيعني هروب الناس من موطنها والسفر إلى حيث تريد أن تحافظ على حياتها. مع الأسف الشديد بعض الأنظمة العربية ولد حالة من الفوضى السلطوية التي خلقت نزيفاً مستمراً من اللجوء، ويسبق هذه الممارسات الحكومية، ما يمكن القول إنه استحواذ للغرب على ثروات الدول التي تمتلك مؤهلات اقتصادية، إلا أنها غير قادرة على توظيفها التوظيف الصحيح. في إفريقيا أبدعت الدول الغربية في سرقة ونهب خيرات القارة السوداء، الأمر الذي أدى إلى تفاقم مشكلات اللجوء، واستقواء دول إفريقية على أخرى جارة ضعيفة، بسبب دق الأسفين الذي تزرعه الدول الغربية الاستعمارية بهدف تعظيم مصالحها الشخصية.
بعد كل ذلك لا تعترف الدول الغربية بمسؤولياتها تجاه اللاجئين، فهي حين تقول إنها توافق على استقبال كوتة معينة من اللاجئين، فإن ذلك يعكس مصالحها لا موقفها الإنساني، خاصةً وأنها باتت تعاني اليوم من نقص في معدلات الإنجاب الطبيعي، وشيخوخة تضر بصحتها الاقتصادية والإنتاجية وسلامة جيبها. أوروبا حين تقبل وترحب باللاجئين في أراضيها، فإنها ستعمل على إدماجهم في المجتمع، يشمل ذلك مساعي «أوْروبة» اللاجئين عقيدة وحياة، أما اليوم حين اكتفت بعدد معين من هؤلاء فإنها لم تعد بحاجة إلى استقبال طلبات اللجوء، لأن ذلك سيؤثر على ميزانياتها وأوضاعها الاقتصادية. اليوم صار اللاجئ في أوروبا عنواناً للتطرف والإرهاب، فحين تتذرع الدول الغربية بأنها غير راضية على قبول اللاجئين، تلقي عليهم تهماً جزافية بأنهم متطرفون ويسعون إلى تخريب الدولة والمجتمع، وتسن القوانين وتشدد الإجراءات لمنع دخول اللاجئين إلى أراضيها.
هذا ما يحدث الآن في دول أوروبية كثيرة تحاول تحت مظلة الاتحاد الأوروبي الاتفاق مع تركيا على منع تدفق اللاجئين إليها، وفي ذات الوقت هي الطرف الأساسي والشريك الرئيسي في الحرب على دول ضخت ملايين اللاجئين بسبب قصور البعد الدولي. ينبغي على المجتمع الدولي أن يعيد النظر في موضوع العدالة الدولية والمسؤولية الدولية تجاه دول فقيرة لم تتمكن من حسن تدبر أمورها الداخلية، ودول أخرى ظلت ترزح تحت عقود طويلة لتبعية دول غنية تعيش على «قفاها»، والأولى أن يتضامن العالم للتغلب على تلك المشكلات. إذا ظلت الأمور تذهب نحو القاع ومن سيئ إلى أسوأ، فإن ذلك سيعني بالضرورة تزايد أعداد اللاجئين في العالم، الأمر الذي سيشكل صداعاً مزمناً للدول الغنية، وهذا يستدعي من تلك الدول بدلاً من مساهمتها في تصدير صراعات وإدارة أخرى، أن تساعد الدول الفقيرة على النهوض اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. حتى فيما يتعلق بالموضوع الفلسطيني الذي ظل إلى عمر النكبة وأكثر، بعيداً عن التصويب الدولي، ينبغي أن يوضع في حسابات الدول الكبرى التي أنعمت عن النظر إلى الحقيقة وآثرت ترك الجلاد الإسرائيلي يعربد ويسرح في إنتاج النكبات المتتالية على المشهد الفلسطيني.
[email protected]
أضف تعليق