شاهدت مؤخراً مقطعاً لمشهد من برنامج للأطفال في أميركا، يتم اختيار طفل من المتواجدين في قاعة البرنامج لتمثيل دور ما، وذلك بوضع أسماء كافة الأطفال في سلة، ويتم سحب واحدة من الأوراق، ليتم اختيار الطفل الممثل، في هذه الحلقة على الطفل أن يمثل دور «العمدة»، يسأل المحاور وهو الممثل المعروف، ستيف هارفي الطفل البالغ ثلاث سنوات فقط، والذي يستعين بأخيه، ست سنوات، عدة أسئلة حول مهام العمدة وماذا يحب وأسئلة عديدة يجيب عليها الطفل بكل براءة، يسأل المحاور الطفل الثاني، كيف يتم اختيار العمدة؟ يجيب الطفل، يضعون أوراقاً بأسماء في دلو أو قبعة، ويختارون بالسحب واحدة منها.. في هذه اللحظة، يصمت المحاور ستيف هارفي لحظات قبل أن ينفجر ضاحكاً بأعلى صوته قائلاً: هكذا إذاً اختار الحزب الجمهوري المرشح ترامب..
تضجّ القاعة بالضحك مع هارفي الذي استمر في الشرح قائلاً إنه لم يتمالك نفسه إزاء هذه الإجابة!! هذه اللقطة ـ القفشة، ألحّت علي لوضع ترامب على مائدة الإعلام، باعتباره شخصية مثيرة للجدل وتستقطب جمهوراً واسعاً، من مؤيديه ومن معارضيه، ومن محبّي التسلية وقضاء وقت ممتع، شخصية «إعلامية» كونها جاذبة للإعلانات، العمود الفقري للإنتاج التلفزيوني، لكن فوق وقبل كل ذلك، تعتبر هذه الشخصية مفتاحاً من مفاتيح التعرف على النظام الانتخابي الأميركي، وكيف يصل الرؤساء إلى البيت الأبيض؟ «من باب الأمانة، كان من الصعب عليّ عدم مشاهدة ترامب على التلفزيون» هكذا كتب الكاتب الأميركي دويل مكمانوس في صحيفة «لوس انجلوس تايمز» مشيراً إلى أن ترامب لديه قدرة وكفاءة عالية على التسلية والإدهاش، ووسائل الإعلام الأميركية التلفزيونية على وجه الخصوص تجد صعوبة في عدم الإقدام على المنافسة بهدف الحصول على أعلى نسبة متابعة ومشاهدة، لسبب بسيط، وهو أنه لا يمكن لأحد أن يخمن ماذا سيقول «ترامب»..
لكن رئيس شبكة «سي بي اس» كان أكثر وضوحاً عندما قال: «ربما لا يكون ترامب جيداً لأميركا.. لكنه جيد لسي بي اس» مع ذلك فإن هذه القناة، وعبر مراسلها جاك نابر، سأل ترامب لخمس مرات متتالية أن يشرح سبب اعتراضه على التدخل الأميركي في ليبيا عام2010، و23 مرة حول سبب اعتراضه على القاضي من أصل مكسيكي.. دون أن يتلقى أية إجابة من ترامب، ومن تحليل لم أعد أتذكر مصدره في الصحافة الأميركية، ان مراوغة ترامب، وتلفُّظه بأفكار غريبة وصادمة، تعود إلى محاولة التهرب من الأسئلة المحرجة، فيذهب إلى اتجاه آخر، أكثر تسلية وإدهاشاً من أية إجابة.. دون أن يجيب!! المتلقي العربي عموماً، ربما لم يلاحظ سوى مواقف ترامب العدائية من العرب والمسلمين، غير أن متابعة عادية لهذا المرشح الجمهوري، تشير إلى أنه بالكاد راض عن أية جهة أو طرف، ويبدو مرتبكاً ومختلفاً عندما يتحدث عن إسرائيل، إذ ليس لديه موقف محدد واضح، شخصية هجومية نابعة ربما من كونه ليس بحاجة إلى دعم أي طرف مالياً، فهو مستكف بما لديه من أموال لتمويل حملته الانتخابية، حتى أنه ليس بحاجة إلى تمويل الحزب الجمهوري لهذه الحملة!! المتلقي العربي، عرف خلال السنوات الماضية، بعضاً من أشباه ترامب، من الرؤساء العرب، الذين كانوا يستحوذون على المشاهدين، ليس للتعرف على مواقفهم، ولكن لمتابعة قفشاتهم للتسلية والإدهاش، لكن وبصراحة، فإن ترامب تجاوز الرؤساء العرب في هذا الميدان! والآن، بعد أن أصبح ترامب مرشح الحزب الجمهوري الوحيد، فإن الحزب بدأ بالتقاط أنفاسه على وقع التهديد الذي بات يشكله ترامب، باعتبار هذا الأخير «فضيحة متنقلة»، وفي الغالب فإن الحزب سيخسر معركته مع ترامب.
هذا الأخير، وبعد فوزه كمرشح للحزب الجمهوري، لم يعد له صوت، ولم تعد وسائل الإعلام تحاول الانفراد باللقاء معه، ربما لأن الجمهور المتابع، تشبّع بالقفشات واللقطات المدهشة والصادمة، أو لأن نجم ترامب كرجل مثير للإعلام قد خبا، ولعلّ دراسة ردود فعل إيرادات الإعلان، كانت المؤشر على ذلك، وربما أن الأمر يتعلق بجولة، قد تتبعها جولات أثناء المبارزة مع مرشحة الحزب الديمقراطي، كلينتون، وربما لأن ترامب في الأيام الأخيرة من حملته، تناول الإعلام والصحافة والصحافيين، بالنقد والتجريح، ففي آخر حديث له تحدث عن نفسه ومشاركته وإسهاماته في منظمات المحاربين القدماء، واستفز الصحافيين الذين حاولوا الاستيضاح، إلاّ أنه وصفهم بالأوغاد!! في آخر موقف إعلامي لترامب، ألغى الاعتماد الصحافي من قبل حملته الانتخابية، لتغطية صحيفة الواشنطن بوست، بعد أن خصصت فريقاً لتأليف كتاب حول دونالد ترامب، ويبدو أنه بات يعلم ماذا سيتضمن هذا الكتاب!! -
[email protected]
أضف تعليق