هناك من يعتبر الخرائط مسألة جغرافية فقط، ويتعامل معها بهذه الصفة. لكن في حقيقة الأمر أن الخرائط تحمل في جنباتها مقولات سياسية ومخزون تاريخي كبير، خصوصًا عند الحديث عن صراعات تاريخية – عقائدية وجغرافية كالصراع الصهيوني – العربي، والإسرائيلي – العربي/ الفلسطيني.
وجدير ذكره أن الخريطة بخطوطها وألوانها ورموزها المتفق عليها عالميا ومحليا، تحاول ان تمثل الواقع القائم. لكن التعمق في الخرائط يبين لنا أن الأمر ليس كذلك. فالخريطة تبني قوة وجودية، وتعزز استمرارية هذه القوة. والخريطة بالمقابل تنفي وجود الآخر، إذا كان طرفًا ضعيفًا غارقًا في صراع تاريخي مرير كالصراع الذي تعيشه المنطقة في العموم وفلسطين في الخصوص.
من هذه المنطلقات لا يمكن للخريطة أن تكون في منأى عن الصيرورة السياسية الجارية في المنطقة وعلى أرض الواقع.
ولهذا، ترتبط الخريطة بواقع تاريخي حصل في الماضي، أو ان واضعي الخريطة يميلون إلى فرض واقع تاريخي لا يزال يتفاعل إلى الآن، ولربما مستقبلا.
فلو اخذنا خريطة اتفاقية سايكس – بيكون من العام 1916، أي قبل مائة عام، والتي تم وضعها على يد ممثلي الدولتين الاستعماريتين بريطانيا وفرنسا، ألقت بظلالها على واقع ومستقبل منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك مجموعة الصراعات التي حصلت، وبعض منها يحصل كامتداد لما فرضته خطوط سايكس – بيكو.
وفي حالة أخرى، وهي أيضا امتداد للمصائب التي خلفتها خريطة سايكس – بيكو وهي النكبة الفلسطينية في 1948، حيث استعانت إسرائيل بمجموعة خرائط وضعتها لتخفي الأماكن والمعالم العربية الفلسطينية وتشير إلى الأسماء العبرية، ناكرة بذلك الوجود التاريخي الفلسطيني في فلسطين. بمعنى آخر، تكون الخريطة حاضرة مكانيا الآن، دون أي ذكر لما كان في الماضي على هذه الأرض.
وإن الصراع لم يبق في حدود الشأن السياسي ممثلا بالخريطة ومواقع جغرافية وتاريخية وغيرها، بل انطلق إلى حيّزات وميادين أخرى كالثقافة والموسيقى والزي والمآكل والمشارب وغيرها. وأيضا انزلق الصراع إلى عالم الخرائط كجزء من تثبيت الحقيقة التي يتسلح بها كل طرف.
وفي الحالة الصراعية التي يعيشها الفلسطينيون تمّت عملية إبادة المكان ماديًا بعمليات الهدم والتدمير والطمس الكلي تقريبًا، حتّى أن قرى بكاملها لم يبق منها لا الجامع او الكنيسة ولا المقابر... وجاءت عملية طمس الأسماء عن اليافطات في الطرقات والشوارع... وتجري منذ فترة عملية إبادة الأسماء والتسميات العربية الفلسطينية للمكان الأصلاني في الخرائط الاسرائيلية سواء تلك المرفقة مع الكتب التدريسية او تلك التي توزعها وزارة السياحة عبر مكاتب الاستعلامات التابعة لها والمنتشرة في مواقع كثيرة في البلاد، أو التي تستخدم للدلالة على موقع ما في محاضرات اكاديمية ورسمية، او التي تنشرها بلديات وهيئات أخرى...
إذن، يمكننا فهم وجود الخرائط كمنظومة علاقات قوة بين أطراف مختلفة يسود بينها صراع قوي طويل الأمد...
من هنا، ولأن الخرائط تحمل في جوهرها أهدافًا ورؤى سياسية وعقائدية وتوجهات مستقبلية، تنظم مؤسسة زوخروت "ذاكرات" ندوة خاصة بمناسبة اليوم العالمي للاجئين، تهدف إلى تعزيز الوعي حول ما شُطب من الخرائط الإسرائيلية المهيمنة، ومناقشة انتاج الخرائط المضادة لعمليات الهدم وإبادة المكان فعليًا واسميًا في العام 1948 وما بعده. وسيتم عرض خرائط بديلة وأبحاث تعالج مسائل إقصاء ونفي النكبة الفلسطينية، في محاولة لاستعادة الواقع الذي كان قبل عمليات الإبادة والإقصاء والنفي المكاني.
يشترك في الندوة: د. جوني منصور مستعرضًا حيفا التاريخ والخريطة. د. نوعا كدمان حول ما تفتقر إليه الخريطة الطوبوغرافية. الاستاذ عمر الغباري حول خارطة النكبة بالعبرية، والسيد حسن أحمد منصور حول مسح لقرية كفر عنان المهجرة. وذلك يوم الاثنين الموافق 20 حزيران 2016 الساعة الثامنة في مقهى المحطة بشارع يافا، في حيفا. والدعوة عامة ومفتوحة للجمهور الواسع.
جدير ذكره، أن مؤسسة زوخروت تعمل على تعزيز الوعي في موضوع النكبة في أوساط الإسرائيليين من خلال فعاليات ميدانية ومحاضرات ومؤتمرات ومنشورات تصدرها على مدار السنة، بالإضافة إلى موقع انترنت فعال جدًّا... وتعتبر هذه المؤسسة من بين المؤسسات المؤثرة محليًّا وعالميًا...
[email protected]
أضف تعليق