تنشر صحيفة "هارتس" بين الحين والأخر ، مقالات يكتبها الاكاديمي عبد ل. عزب ، ابن قرية عارة بالمثلث الشمالي ، وهو اختصاصي بعلوم الكيمياء ، ويتناول فيها ، مختلف الهموم والقضايا التي تهم المواطنين العرب الفلسطينيين ، بما في ذلك العلاقات بين العرب واليهود . وتناول اخر مقال له في الصحيفة ظواهر العنف المستشرية في المجتمع العربي ، من اكثر من زاوية ، تتلخص في العنوان الذي اختاره لمقاله : "نحن شعب عنيف" ! وفيما يلي ترجمة لهذا المقال ، لأهميته وجرأته ، مع ضمان حق الرد والتعقيب لكل من يرى حاجة وضرورة لذلك .
لماذا يتوجب أصلاً تنظيم مؤتمرات لمكافحة العنف في المجتمع العربي يا طلب الصانع ويا سماح سلايمة اغبارية ؟ للعنف عندنا توجد جوانب إيجابية : فهو يوفر عملاً لشرطة إسرائيل ، وهو مصدر لا بأس به للمنح الخاصة بالأبحاث المتعلقة بهذه الظاهرة ، وهو يوفر لكم موضوعاً تنشغلون به وتتحدثون عنه في مقابلات مع وسائل الاعلام .
تقولون ان العنف يجلب الأضرار ؟ ويؤدي الى فقدان حياة البشر ؟ لكن ماذا تساوي حياة الانسان عند العرب ؟ صفر ! انظروا : الحياة في العراق اكثر هدوءاً واستقراراً مما هي في الدنمارك وفقاً لتقارير الأمم المتحدة . والحياة في سوريا – جنّات النعيم . وفي مصر ؟ لم يُقتل ولا مواطن واحد ، ولم تسقط ولا حتى طائرة واحدة منذ الإطاحة بالخائن مبارك واستبداله بدمية سعودية . في تونس لم يُصب أي سائح منذ الثورة . السعودية وجاراتها دول الخليج ؟ حتى السويديون يتعلمون منها حقوق الانسان ، ولا سيما حقوق المرأة والأقليات .
كفى نفاقاً . من أجل حل القضية دعونا نعترف أولاً : نحن شعب عنيف ! هذه عقليتنا ، ولا تعودوا الى الديباجة التي تتحدث عن الإسلام كدين التسامح والمكارم والرحمة . هل لاحظتم ان العنف في أوساط اخوتنا المسيحيين أقل بكثير مما هو في المجتمع الإسلامي ؟ وثانياً : حتى لو كان الإسلام حقاً دين تسامح – وأنا اشك في ذلك – ففي المحصلة ، يبدو ان كثيرين لا يؤدون فرائض الدين .
دعونا نعترف بصدق ، بانه عندما تقع جريمة قتل ، فان العائلة ، الحمولة ، والعشيرة – تتجند لصالح القاتل وتبدأ بجمع المال من أقاربه ، لتمويل تكاليف المرافعة القانونية عنه ، ولدفع الدّية لعائلة القتيل ، إن هي وافقت على تلقّيها . دعونا نعترف بأن حيازة السلاح ما زالت تُعتبر "شرفاً" ، واذا كان هذا السلاح غير مرخّص ، فالشرف اكبر واكبر . دعونا نعترف بأن لدى اليهود أسلحة مرخّصة ، لكنهم لا يستخدمونه لاطلاق الرصاص في الاعراس ، ولا في أطراف الاحياء السكنية ، كما يحدث عندنا . مطلقو الرصاص "المجهولون" يتبادلون "الأحاديث" ونحن نجلس في المقاهي مبتسمين . الإمرأة التي تقتل على خلفية ما يسمى "شرف العائلة" ، تُعتبر في غالب الأحيان ضحية تستحق القتل . اتفقنا ان نتكلم بصراحة ، أليس كذلك ؟
انتم لا تعرفون الشبان الذين يقودون سياراتهم في وسط القرية بسرعة جنونية معرّضين حياة الناس للخطر ، وأحياناً يدهسون الناس ؟ هل الشبان المتهورون الذين يقودون "التراكتورونات" في قرية عارة – يأتون من "برديس حانا" ؟ وحين تتعرفون على هويتهم – ما الذي تفعلونه بالضبط ؟ تكنّون ابتسامة في سرّكم ، أو توجهونها نحوهم بالتلميح ولسان حالكم يقول : يا لك من رجل يا أخي ، وبالعبرية ، لأن للعبارة بالعبرية وقعاً أبلغ ! واذا كان هذا (السائق) إبناً لعائلة أخرى ، من الخصوم ، فستشتمون أباه وأمه وأخته – فالخصومات بين العائلات هي إكسير حياتنا ، والمبرر الوحيد لوجودنا !
ذات يوم جلسنا في القرية لنتبادل الأحاديث والنميمة مثل عادة العرب ( أليس كذلك ، يا أولاد العم؟ ) ولنتشارك في حلّ الغاز الكلمات المتقاطعة – بالعبرية طبعاً . مرّ بالقرب منا شابان في سيارة "ميتسوبيشي" قديمة ، انبعثت من داخلها ، بقوة ، موسيقى صاخبة . لا تخافوا على اذانهما ، فهما نفساهما بالكاد يسمعان الموسيقى المنبعثة ، لأن السماعات موجودة في الجيب الخلفي للسيارة .
جميع الحاضرين تعرفوا على هوية الشابين ، اللذين لا تربطهما أي علاقة قربى بأي واحد منا نحن الجالسين في المكان ، فبدأت الشتائم تنهال عليهما .
لم استطع التغلب على قرفي من هذا النفاق ، وقلت لأحد الجالسين معي : ابنك عنده دراجة نارية وقد عمد الى تقوية عادمها (الأكزوست) ، وعندما يقودها على الشارع في منتصف الليالي ، فان سكان القرى الثلاث المجاورة لا يستطيعون النوم .
فأجابني المسكين : ماذا أفعل ؟ فأنا لا استطيع ردعه !
هذه خلاصة العقلية العربية اللعينة : أنا وأخي على ابن عمّي ، وأنا وابن عمي – على الغريب ، الأخر . طالما كان مطلق النار والقاتل من عائلتي ، فالدعم مُطلق : مادياً ومعنوياً ، ولا تتذرعوا شارحين لي الأحوال الاقتصادية وتصرفات الشرطة . صحيح ، هنالك تمييز وهنالك عنصرية ، لكن لهذا السبب بالذات علينا ان نتحد ونتكافل ونتكتل – ليس من حول القتلة ، بل ضدّهم . للشرطة حصة في هذا العنف ، لكن حتى لو كان تطبيق القانون ناجعاً ، فان هذه الأفة ستتراجع قليلاً فقط ، ما لم يأت علاجها من داخل البيت وفي كل أسرة ، من أجل ردع مطلقي الرصاص ، والمعربدين المنفلتين.
لو انكم اعطيتم للمريض بالسرطان دواء مهدئاً – فهل هذا كفيل بالقضاء على الخلايا السرطانية ، ويتعافى المريض ؟ لا توهموا أنفسكم : فالسرطان يتم علاجه بوسائل صعبة تسبب أعراضاً جانبية رهيبة ، وحتى هي لا تنفع ولا تسعف أحياناً .
فليُخبر كل أب عن ابنه الذي يملك سلاحاً غير مرخص ، ولتخبر كل بنت عن والدها . قاطعوا كل من يطلق الرصاص ، وكل من يعربد بسيارته في شوارع القرية .
عفواً ، هذا مجرّد حلم خُيّل إليّ !
[email protected]
أضف تعليق