ربما هي الزيارة الأكثر أهمية وخطورة تلك التي قام بها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو إلى موسكو واجتماعه للمرة الرابعة خلال ستة أشهر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يقال إن هذه الزيارة «احتفالية» بمناسبة مرور خمسة وعشرين عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، غير أنها ليست احتفالية أو بروتوكولية على الاطلاق، ذلك أن الصفقات التي من المرجح أن يتم عقدها، تطال عموم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، والمنطقة العربية على وجه الخصوص، خاصة فيما يتعلق بمستقبل العلاقات العربية ـ الإسرائيلية وسيل المبادرات التي طالت هذه المنطقة مؤخراً.

منذ فترة ليست قصيرة، تقول إسرائيل، وتسرب الأنباء حول قرب التوقيع على اتفاق مصالحة مع تركيا، غير أن ذلك لم يحدث، ليس لأن هناك ملفات ما زالت قيد الخلاف بين الجانبين، إذ أنهما أشارا بشكل منفصل عبر تصريحات إعلامية، انه تم تذليل كل الخلافات، لكن إسرائيل أرجأت مثل هذا التوقيع على المصالحة مع أنقرة، لاستخدام العلاقات الإسرائيلية ـ التركية في اطار الزيارة التي قام بها نتنياهو قبل يومين لموسكو، كجزء من صفقة، في سياق، رغبة روسية في عزل تركيا بعد أن أدى الخلاف بينهما، ليس فقط إلى قطيعة، ولكن إلى عداء سافر معلن، يتم ترجمته على الأرض السورية بشكل يومي، تقارب تركي ـ إسرائيلي، سيأتي على حساب حالة الحصار والعزلة التي تحاول فرضها، ونجحت حتى الآن، على أنقرة، نتنياهو يعرف قيمة هذه الورقة تماماً!!

ورغم أن الملف السياسي المتعلق بالصفقة حول تركيا، له الأهمية القصوى في العلاقات بين روسيا وإسرائيل، إلاّ أن الملف الاقتصادي لا يقل أهمية، وتم تناوله في الزيارة التي قام بها نتنياهو أواخر نيسان الماضي إلى موسكو، حيث طرحت هذه الأخيرة إمكانية مشاركة قطاع الغاز الروسي في تطوير حقل لفيتان الإسرائيلي في البحر المتوسط، في محاولة ـ سياسية أيضاً ـ لقطع الطريق على تصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا!!

من دون شك لا يمكن تجاهل التنسيق العسكري الواضح والمعلن بين الجانبين الروسي ـ الإسرائيلي على الساحة السورية بغية تجنب إمكانية أي اشتباك بين طيرانهما على الأجواء السورية، وهذا الأمر ليس بالجديد، لكن ما يمكن اعتباره أكثر جدة، وأيضاً عبر الصفقة حول تركيا، إمكانية طرح معادلة جديدة، تركيا، مقابل إيران وحزب الله!!

ما تسرب عن اجتماع القمة في موسكو عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، أن نتنياهو كرر على مسامع بوتين، ما سبق وأن تحدث به في الزيارات السابقة لموسكو، من أن إسرائيل لا تزال تخشى عدم قدرة القوات الروسية المتواجدة على الأرض والأجواء السورية على منع تزويد إيران لحزب الله بالسلاح الحديث عبر الأراضي السورية، إضافة إلى إمكانية أن تقوم سورية نفسها بتسليم حزب الله مثل هذه الأسلحة، الأمر الذي أدى في أحيان كثيرة إلى مهاجمة إسرائيل لعمليات الامداد هذه، إلاّ أن هناك خشية أن هناك عمليات امداد لم تعلم إسرائيل عنها شيئاً عبر وسائلها الاستخبارية، هنا يأتي الدور الروسي في مساعدة إسرائيل بهذا الشأن!!

وسائل الإعلام المشار إليها، سربت أن نتنياهو أعرب عن خشيته من أن يتمدد حزب الله إلى جنوب سورية والاقتراب من الحدود مع إسرائيل، وان هناك رهانا على أن روسيا رغم تحالفها الهش مع إيران وحزب الله على الأرض السورية، إلاّ أنها لن تسمح بذلك، وان إسرائيل تعوّل على هذا الرهان كثيراً.

وعلى الرغم من عدم التوقيع على أية مصالحة تركية ـ إسرائيلية حتى الآن، إلاّ ان الدولة العبرية التي تستخدم هذه الورقة في اطار صفقتها مع موسكو، تلقت ما يشير إلى أن أنقرة باتت أكثر اقتراباً من إسرائيل حتى بدون التورط بتوقيع مثل هذه المصالحة، إسرائيل باتت تدرك أن حليفها أردوغان، بات أكثر تراجعاً في إمساك الوضع التركي الداخلي، تركيا تحت الحصار لكن رئيسها أكثر حصاراً على المستوى الداخلي والخارجي، أكثر ضعفاً، وانه أكثر حاجة إلى الاقتراب من إسرائيل أكثر من أي وقت مضى، وقد أرسل رسالة هي الأكثر وضوحاً إلى الدولة العبرية، عندما اتفقت أنقرة، مع كافة عواصم مجموعة غرب أوروبا، على ترشيح إسرائيل لرئاسة اللجنة السادسة التابعة للجمعية العامة في الأمم المتحدة والمعنية بمكافحة الارهاب وترجمة البروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف الرابعة في المجال السياسي الدولي، كان يكفي أن تعترض دولة واحدة، كتركيا مثلاً على هذا الترشيح، أو ترشح نفسها لملء هذا الشاغر، حتى تحول دون أن يكون هناك إجماع على ترشيح إسرائيل، تركيا لم تفعل ذلك، رغم كل الشعارات المرفوعة، ووجدت مصلحتها في أن تترأس إسرائيل، التي أدارت ظهرها للقانون الدولي، هذه اللجنة، في صفقة بيع واضحة، لكل المواقف والشعارات الخادعة التي رفعتها تركيا ولا تزال برئاسة أردوغان!!

 

أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك
استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]