ما أطلقته حكومة الرئيس الفرنسي في مبادرتها "للسلام في الشرق الأوسط"، لم يؤخذ على محمل الجدّ، إنما وصفته صحيفة "لوكانار أونشينيه" الموصوفة بالسخرية السياسية بأنه "كالسيف القاطع في الماء".

الصحيفة كشفت عن بوتقة من "الذئاب الفتية" حول فرنسوا هولاند تسعى إلى بهرجة صورة الرئيس المرشح لولاية ثانية السنة المقبلة، وقد تدنّت الثقة بقدراته السياسية الداخلية والخارجية إلى أقل من 15% من المؤيدين. لكن التحليلات غير الهزلية راحت تبحث عن معنى سياسي وراء إصرار الحكومة على المضي في "المبادرة"، بعد إذلال نتنياهو لرئيس الحكومة مانويل فالس الذي خاب اعتذاره في اسرائيل عن "سؤ التصرّف الفرنسي" في منظمة "اليونيسكو" المتهمة إسرائيلياً وأميركياً بالانحياز.

البعض ذهب في تحليلات مغرقة بأمجاد غابرة، إلا أن هولاند يأمل ملأ بعض الفراغ في الملف الفلسطيني مستغلاً انكفاء الإدارة الأميركية عنه. فرنسا لم يعد لها موطىء في الشرق الأوسط منذ خسارتها في العراق وكذلك تبخّرت "امتداداتها الأفريقية" التي تسند ثقلها في أوروبا بحسب شارل ديغول. وفي هذا السياق تناول مقرّبون من أوساط الحكم ما أشار إليه فرنسوا هولاند في كلمة افتتاح "مؤتمر باريس" بشأن ما أسماه "أهمية حل النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني لمواجهة التطرف والعنف الذي يهدّد أمن فرنسا وأوروبا والعالم". لكن فرنسا تتخذ المسألة الفلسطينية محط كلام في محاولتها الدخول إلى المنطقة العربية والشرق الأوسط من البوابة الفلسطينية. وشأنها في "مبادرتها" شأن المبادرات الأخرى العربية والأجنبية مجرّد تبليغ إعلامي يصحبه دعم لإسرائيل في كافة المجالات جزاء استمرار الاحتلال الذي يتقاطع معه دعاة هذه المبادرات. فاللازمة العربية وبعضها الأجنبي في تفسير ما تسميه "التعنت الإسرائيلي" هي أشبه بتفسير الماء بعد الجهد بالماء، بينما تقدّم المبادرات سلّما تصعد عليه إسرائيل نحو المزيد من التقاطعات لترسيخ الاحتلال. ففي نقده لمبادرة الحكم الفرنسي يقول "بنوا هامون" وهو مرشح لمنافسة فرنسوا هولاند عن الحزب الاشتراكي "كان ينبغي الرد على نتانياهو باعتراف فرنسا بالدولة الفلسطينية وفرض أمر واقع على إسرائيل وليس محاباتها في الدعوة إلى مؤتمرات دولية قدمت فيها أوروبا دعماً سخياً لتشجيع إسرائيل على السلام". لكن ما لم يقله "هامون" هو أن فرنسا والدول الأوروبية تدغدغ السلطة الفلسطينية باعتراف دبلوماسي على الورق، لكنها في حقيقة الأمر تدعم إسرائيل فعلياً وعملياً في سياساتها الداخلية والخارجية. فعدا الدعم المادي والشراكة الأمنية والتكنولوجية، يتبنّى الاتحاد الأوروربي إسرائيل كعضو في الاتحاد كامل الامتيازات من دون أي من واجبات والتزامات أعضاء المجموعة الأوروبية. وفي هذا الصدد يتوجّب على الاتحاد الأوروبي تنسيق سياسته في الشرق الأوسط على إيقاع ما تراه اسرائيل "مسؤولية أوروبية عن حماية أمنية".

المصدر: الميادين

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]