في الوقت الذي تستعد فيه لجنة المتابعة العليا لعقد المؤتمر القطري لمكافحة العنف وتحصين مجتمعنا العربي، اليوم السبت في اكاديمية القاسمي، في محاولة إضافية منها لمنع الانزلاق الكبير نحو الهاوية، تستعد قرية ترشيحا لاستقبال آلاف الزوار للمشاركة في مهرجان الموسيقى السنوي الرائع، الذي يعقد سنة بعد سنة، ويزداد رونقا وجمالا وابداعا والتفافا شعبيا حوله.
من اجل ترشيحا وحضورها الموسيقي، واسهامات أهلها في تاريخ الموسيقى فلسطين، يحضر الفنان الكبير إبراهيم عزام من بريطانيا خصيصا للمشاركة في المهرجان، ويعود الموسيقار العالمي، الترشيحاوي الأصل، سيمون شاهين، من أمريكا مع مجموعة خاصة من الفنانين الكبار للمساهمة في هذا الحدث الفني المتميز، كما يتألق الموسيقار نسيم دكور على رأس فرقة ترشيحا للموشحات، الفرقة المبدعة مع عشرات الفنانين والفنانات وهم يرفعون اسم ترشيحا ومجتمعنا العربي عامة، فيقدمون اغلى ما عندهم، وجميعهم يعلنون، ان لغة الموسيقى هي لغة الانسان، هي لغة المحبة والتعايش الحقيقي، وهي ما تنتفع الناس، هي اللغة التي تستحق الحياة، وهذا ما يحتاج اليه مجتمعنا فعلا ، وليس لغة العنف والقتل والطائفية والعصبية الغرائزية البغيضة، وليس لغة التحريض على الفتنة والتخلف.
النكبة لم تقفز عن ترشيحا بل اصابتها في الصميم ، فقصفت بالطائرات الإسرائيلية وهُدمت بيوتها الحجرية، وهُجّر غالبية أهلها، وما زالوا يعيشون الغربة في كل اصقاع الأرض ولكنهم لم ينسوا يوما، وكذلك ابناءهم واحفادهم، أصلهم وانتماءهم الترشيحاوي، ذلك لأن تراثهم غني بالحياة والمحبة والعيش المشترك، لا "تعايش اللبنة والزعتر وصحن الحمص"، بل تعايش أبناء الحياة والجذور المشتركة والاعتراف بالآخر وحقه بالحياة ايضا. حاولت السلطات الحاكمة، على مدار نصف قرن وأكثر ، سلب ترشيحا هويتها العربية، بعد ان سلبت ارضها، من خلال اقامة مستوطنة معلوت على أرضها، وجعلها حارة تابعة من حاراتها، او مصنع عمال لتنظيف شوارعها، ومن خلال محاصرة مبدعيها بشح الميزانيات او اشتراطها، ولكن التراشحة، بثقافتهم واعتزازهم بهويتهم، أبوا الا ان يعيدوا لترشيحا هويتها وسمعتها التي يعتزون بها، وبعد ان سلبوا منها اهم إنجازاتها التاريخية والمتمثلة بمدرستها الثانوية الشاملة، استطاعت ترشيحا ، خلال العشرين سنة الماضية، ان تنهض من جديد، لتستعيد هويتها واسس حياتها، من خلال مشاريع ثقافية ورياضية متميزة، مثل فرقة ترشيحا للموشحات، وفريقين متميزين لكرة السلة، ومدارس فنية خاصة وفاعلة، ومهرجان الموسيقى "اوتارشيحا" المتميز والذي يزداد أهمية وجماهيرية سنة بعد سنة، وعشرات الفعاليات الأخرى، لهذه الأسباب وغيرها ترشيحا تستحق الحياة وتستحق الاحترام والاهتمام.
عشرات الشباب والصبايا يعملون تطوعا لإنجاح هذا الحدث الكبير، العشرات، كبارا وصغارا، يسهرون الليل ويصلونه بالنهار في الاعداد لهذا المهرجان الترشيحاوي الذي يعيدهم الى خارطة الثقافة الفلسطينية، لهذا فهم يستحقون الاحترام والدعم والتشجيع، ويستحقون الحياة.
كنت أتمنى ان تكون لجنة المتابعة العليا منشغلة ،هذه الأيام، بالإعداد لمهرجانات ثقافية متعددة في كل قرية ومدينة، لمهرجانات الحياة لشبابنا وشاباتنا، بدل الانشغال، رغما عنها، بالمصالحات على اختلاف اشكالها، لأن الثقافة هي البديل الحقيقي لحالات التسيب المجتمعي، لأنها البديل الحقيقي للعنف والقتل وانتشار السموم. فعلى "هذه الأرض ما يستحق الحياة" ومن يستحق الحياة أيضا.
بيد واحدة نكافح العنف المستشري وباليد الثانية نرفع صوت الثقافة والفنون، صوت الموسيقى عاليا من ترشيحا الى باقة الغربية والى كل مكان في بلادنا الجميلة. نلتقي غدا نهارا في اكاديمية القاسمي ونعود مساء الى ترشيحا.
اليف صباغ- البقيعة 3 حزيران 2016
[email protected]
أضف تعليق