لقد انضم رئيس حزب " يسرائيل بيتينو" إلى حكومة بنيامين نتنياهو التي سيشغل فيها منصب وزير الدفاع خلفًا لموشيه ( بوغي) يعلون، وذلك في خطوة تباينت إزاءها ردود الفعل، فالبعض علّقها رايةً على عصا ببيبي الساحر، وآخرون أتبعوها بما سبقها من بهلوانيات سياسي ماكر مخادع، وقلّة استوعبتها كضربة أخيرة تهشّم ما بقي سالمًا من إناء دولة متصدع تتناثر أجزاؤه منذ سنين ، وتتدحرج الآن بتسارع مقلق صوب هاوية فحماء.
ستكون لهذه الخطوة تأثيرات متعددة وأخطرها، بعيني، هي ما سيلحق بمصير المواطنين العرب في إسرائيل وبعدها بالأقلية اليهودية التي استشعرت ذلك الدرك الذي وصل إليه النظام الحاكم؛ ففي الجبهات الأخرى، وأقصد تلك الأحداث المتفجرة في منطقة الشرق الأوسط و في مناطق أخرى في العالم، تدار الأمور وتضبط وفقًا لقوانين تحكمها مصالح دولية واصطفافات سياسية جديدة بعضها سيستسيغ تقوية حكومة بيبي بدخول ليبرمان وحزبه أو حتى قد يكون منهم من دفع الاثنين إلى مخادع هذا الزواج؛ فكثيرون ممن كانت عندهم إسرائيل كيانًا صهيونيًا مزعومًا أمسوا، في عصر الربيع الأعجف، حلفاء لها وشركاء في مستقبل ما زالت أثوابه تُرفأ في مخايط العبث المبكي.
الأكثرية من المواطنين العرب في إسرائيل لم تلتفت لهذا التحول، بل نجدها ماضية في مواجهة شؤون حياتها اليومية وكأن ما يحدث لا يعنيها ولن يؤثر على مستقبلها بالمطلق. ويبقى الأخطر ذلك الانكماش المزعج الذي تمارسه معظم قيادات الجماهير العربية بصورة محزنة ومستفزة في ذات الأوان. فأين رؤساء البلديات والمجالس المحلية وأين طواقم ومسؤولو الجمعيات الأهلية وغير الحكومية وأين المفكرون والإعلاميون والمؤرخون وعلماء السياسة وأصحاب رأس المال والشركات الكبيرة؟ أفلم يستشعروا أنه أوان الشد والهمم!
إن انضمام ليبرمان وزيرًا للدفاع وعلى حساب عضو قيادي في الحزب الحاكم وعسكري بارز في سجل وتاريخ حروب هذه الدولة- ليس مجرد دخول " لاعب تعزيز في الفريق اليميني المتطرف الذي يقوده نتنياهو زيادة في تحديه للمجتمع الدولي" ، كما جاء في تعقيب القائمة المشتركة في بيانها المنشور، بل هو حدث يشير إلى تفاعلات جوهرية في بنية نظام الحكم الإسرائيلي، ولأنه كذلك كان جديرًا بأكثر من بيان توصيفي يعلن لقارئيه بسطحية وسذاجة على " أن دخول ليبرمان للحكومة ليس غريباً أو شاذاً بل كما قال المثل الشعبي ״وافق شنٌّ طبقة״. فالتنازل عن بوغي يعلون رغم مواقفه وتاريخه، يختم عمليًا مسلسلًا يخرجه نتنياهو منذ زمن وتعود مشاهده المبكرة عندما بدأ بإبعاد من سموا في حينه أمراء الليكود ومنهم بني بيغن وداني مريدور وغيرهم، وتلاه التخلص أو " إسقاط" قادة قدوا من مبادئ ذلك الليكود التاريخي التقليدي الذي مثل شريحة جمعتها عدة مقومات لم تعد معدة النظام الجديد قادرة على هضمها وبلعها، ومنهم سيلفان شالوم وغدعون ساعر ونعومي بلومنطال وهيرشزون واولمرط وغيرهم.
غير أن ضم لاعب تعزيز لا يبرر التنازل عن "كابتن" الفريق لا سيما ونحن نعرف ما أعلنه هذا الكابتن على الملأ حين كتب في سيرته الذاتية التي أسماها " طريق طويل قصير" أنه توصل إلى استنتاج على " أن الشريك الفلسطيني يريد أن يعيش مكاننا وليس بجانبنا، وفي هذه الحالة لا تدعم تنازلاتنا الاستقرار بل تقوضه، ولذلك توصلت إلى خلاصة أنه، في حقيقة الأمر، لا يوجد لنا شريك لحل الدولتين"، ومع هذا لم يجد له مكانًا في فريق "الكيكبوكسينغ" الذي يقوده بيبي.
معرفتنا لماذا اختار نتنياهو وجوقته ليبرمان على حساب زميلهم هي قضية أساسية لأننا قد نتوصل بعد استكشافها إلى ما سيترتب على ذلك من نتائج وعواقب، وعندها ربما سننجح بوضع برامج عمل نضالية من شأنها أن تصد ما نتوجسه من مخاطر.
القائمة المشتركة لم تقم بذلك لأنها قاصرة عن ذلك، فكل مركب من مركباتها يحمل موقفًا مبدئيًا مغايرًا إزاء ما يحصل وموقفًا مختلفًا بشكل جوهري لما تعنيه تلك الأحداث ولكيفية التصدي إليها .
ويكفي كي نستبين تلك الفروقات أن نقرأ تلك البيانات الرئيسية الثلاثة، علمًا بأن كثيرًا من الأحزاب والحركات العربية غيّبت مواقفها وملأت أدراجها صمتًا ؛ فبعدما أكدت القائمة المشتركة أن ما حصل لم يكن أكثر من "وافق شن طبقة" هاجم بيانها بوغي يعلون ووصفه بمجرم الحرب وهاجموا، كذلك، الإعلام الإسرائيلي ألذي وصف أخلاقية موقف بوغي بدفاعه عن الجنرال غولان وتصريحاته التي لم ترق لبيبي وحكومته العنصرية، في حين خلا بيانها من أي مقترح عملي لأي خطوة نضالية أو فكرة في هذا الاتجاه، وهذا في انسجام تام مع بيان النائب زحالقة الذي ضمنه هجومًا على بوغي يعلون مؤكدًا أن دخول ليبرمان إلى الحكومة هو كمن يضيف صفرًا إلى أصفار كثيرة، ومضيفًا على موقف المشتركة فكرة عمومية بعدما خلص إلى القول إن : "هناك وجه آخر لكل مصيبة. ووجود ليبرمان وزيرًا للأمن يسهّل فضح السياسات والجرائم الإسرائيلية، وهي فرصة للخروج بمبادرة جدية لعزل ومحاصرة ومعاقبة الحكومة الإسرائيلية " . لم يكشف لنا زحالقة من أين وكيف سيبدأ الحصار؟ أمن القرم أم من القرن ؟ من الصحراء وما تخبئه لنا من رياح أم ربما ننام أولًا والصباح رباح!
أما بيان الجبهة الديمقراطية فكان مختلفًا بشكل جوهري إذ أن : "التجارب التاريخية تثبت أنّ الفاشية لا تبسط سيطرتها حين تمتلك أكثرية برلمانية فحسب، بل حين تخبو الأصوات وتنتكس الإرادات، وتنعدم المقاومة.. إنّ مطلب الساعة هو النضال العربي-اليهودي العنيد ضد الاحتلال والعنصرية " وهم لذلك ناشدوا كل المؤمنين بقيم السلام والمساواة والديمقراطية بضرورة العمل المشترك حيث: " لا نملك ترف اليأس. بل تقع علينا مسؤولية تاريخية – وهي إنقاذ الشعبين من الكوارث المتربّصة، ووقف الحرب القادمة" وعليه دعوا كل المواطنات والمواطنين، عربًا ويهودا، وكل القوى والمنظمات، للتجنّد لمظاهرة الألوف مساء السبت 28.5.2016في تل أبيب.
إذن، فالمشتركة تنطق بما قل ولا يدل، لأنها ليست أكثر من خيمة تلم الأخوة غير الأعداء. والتجمع يُطمئن فليبرمان ليس أكثر من صفر يضاف على أصفار الحكومة، والحل محاصرة ومعاقبة الحكومة الإسرائيلية.
ويبقى ما تقترحه الجبهة موقفًا وطريقًا، رغم كونها تنظيمًا ضعيفًا ومفككًا، هو الفرصة والأمل. فكم قلنا أن جميع ضحايا الفاشية حلفاء.
ما يحصل في إسرائيل اليوم قد حصل في أوروبا من قبل، وهذا ما قصده نائب رئيس الأركان الجنرال يئير غولان حين صرح أنه " يشخص في إسرائيل تفاعلات حدثت في ألمانيا قبل سبعين عامًا"، فالنظام الإسرائيلي ينجز ما قامت به قبله أنظمة اوروبية فاشية حين أطبقت فكوكها كالملازم على مفارق ومفاصل الحكم، وقد تسنّى لها ذلك بعد أن تخلّصت أولًا من أعدائها التقليديين، كالشيوعيين والاشتراكيين وبني الأقليات والمختلفين، ثم أنهت ارتفاعها إلى رأس الحكم دائسةً على رقبات من حالفوها في البدايات مثل الليبراليين والمحافظين الذين لم يعد لهم مكاناً في نظام أسمته الحضارة بالفاشية .
من المفارقات أن نقرأ ما كتبه يعلون في سيرته إذ قال :" لقد تعلمت أنه في عالم متغيّر بوتيرة متصاعدة وفي جميع مناحي الحياة، من لا يسأل نفسه في كل صباح ومساء: "ماذا تغير" يتحول إلى إنسان غير ضروري " . لم يسأل يعلون نفسه "ماذا تغير" في إسرائيل خلال عقود طويلة من قمع شعب آخر، حتى وجد نفسه عالة على نظام حكم خدمه حتى طلوع الأرواح، وهو ليس وحيدًا، فاليوم يتحرك واحد مثل ايهود باراك ليصف الحكومة بالفاشية، وكذلك يفعل روني دانييل وهو صحافي عرف بيمينيته البارزة وسبقهم إلى ذلك الجنرال غولان ومئات آخرون، فكلهم بدأوا يشعرون أن رقابهم قد تداس، وقد يأتي دورها بعد رقاب العرب.
وأخيرًا، لم يكن شن العرب فاشيًا ولا طبقته يهودية عنصرية، فإذا كان ليبرمان شنًا وافق طبقته، فليفتش كل "شن" منا عن "طبقته" ولنصرخ معًا يا كل ضحايا الفاشية اتحدوا.
[email protected]
أضف تعليق