لنفترض أنّ طفلَين أُصيبا بحادثتَي سير صعبتَين وأنّهما يحتاجان إثر ذلك إلى عمليّة إعادة تأهيل مُطوّلة. الطّفل الأوّل، وهو من كريات أونو، سوف يُعالَج في أحد المُستشفيات الموجودة في منطقة المركز، وبعد ذلك سوف ينتقل ليبدأ إعادة التّأهيل في المركز الطّبّي شيبا، على مقربة من منزله. أمّا الطّفل الثّاني، وهو من كتسرين، فسوف يُقاد إلى مستشفى زيف في صفد، وإذا كانت حالته صعبة بشكل خاصّ، فقد يُنقل حتّى إلى مسشتفى رمبام في حيفا. بعد إنقاذ حياته، سوف يحتاج هو الآخر إلى عمليّة إعادة تأهيل كي يعود إلى طبيعته، إلّا أنّه من المرجّح أن يجد نفسه في سرير مُجاور لسرير الطّفل الأوّل من كريات أونو -أي على بعد 175 كيلومترًا من منزله- أو في سرير في القدس -أي على بعد 200 كيلومتر من منزله.
يصعب وصف الصّدمة التي تحلّ بعائلة ما عندما يُصاب أحد أبنائها بحادثة مُفاجئة، ويُضطرّ إلى بدء عمليّة إعادة تأهيل مُطوّلة ومُعقّدة. إنّها حالة صعبة حتّى بوجود مركز قريب لإعادة التّأهيل، لكنّ صعوبتها تتضاعف، بل تصبح مستحيلة، إذا كان مركز إعادة التّأهيل اللّازم موجودًا على بعد ساعتين ونصف السّاعة من السّفر. دخول طفل إلى المستشفى يؤثّر بشكل بالغ على عائلته، إذ يُضطرّ أولياء أموره إلى خسارة أيّام عمل، وقد يخسرون وظائفهم، حتّى، ليكونوا إلى جانب الطّفل، وهو ما ينطوي أيضًا على ابتعادهم عن منزلهم وعن سائر أفراد العائلة، فيدفع أخوة الطّفل المُعالَج وأخواته بذلك ثمنًا باهظًا.
بمعزل عن سعر الوقود بحدّ ذاته، فإنّ الثّمن الجسديّ والنّفسي والاقتصاديّ الذي تجبيه تلك السّفريّات الطّويلة هو ثمن بالغ. أحيانًا، يقود الأمر العائلة حتّى إلى استئجار شقّة في منطقة المركز لتفادي هذه السّفريات الصّعبة. هناك حتّى عائلات غير قادرة على تحمّل الأعباء المُتمثّلة في هذا البُعد الطّويل، فتستغني كلّيًّا عن فكرة إعادة التّأهيل.
حتّى بعد انتهاء مرحلة العلاج في مركز إعادة التّأهيل، هناك فترة إضافيّة مُطوّلة تستلزم القدوم إلى المراكز لاستكمال عمليّة إعادة التّأهيل. في ظلّ غياب إمكانيّة الوصول إلى مراكز كهذه في منطقة سكناه، سيضطرّ الطّفل إلى مواجهة سفريّات طويلة تُرافقها آلام وصعوبات. البعض ييأس ويستغني عن ذلك، ممّا يضرّ بعمليّة إعادة التّاهيل.
بالنّسبة للطّفل الآتي من كتسرين، فإنّ دخوله إلى المستشفى في المركز أو في القدس ليس خيارًا - إنّه ضرورة نابعة من عدم وجود قسم إعادة تأهيل للأطفال في الشّمال. عدد الأسرّة المُتاحة لإعادة تأهيل الأطفال في الشّمال هو، ببساطة، صفر. أطفال الشّمال، وزملاؤهم أطفال الجنوب، مضطرّون إلى الاكتفاء بثلاثة مراكز طبّيّة فحسب - شيبا، بيت لفينشطين في رعنانا وألين في القدس. لكنّ هذه الحالة الخطيرة لا تضرّ بالأطفال فحسب، بل هي سمة من سمات جهاز إعادة التّأهيل في إسرائيل.
بحسب مُعطيات وزارة الصّحّة، هناك فقط 0.05 سرير لإعادة التّأهيل في الشّمال والجنوب لكلّ 1,000 شخص. للمقارنة، في منطقة تل أبيب هناك 0.22 سرير لكلّ 1,000 شخص - أي ما يزيد عن أربعة أضعاف ونصف الضّعف. نشأت هذه الفجوات العميقة "بفضل" قانون التّأمين الصّحّيّ الوطنيّ. صحيحٌ أنّ القانون يُلزِم أن يُعطى علاج معقول من ناحية البُعد والوقت والجودة، مع الحفاظ على المساواة بين جميع المُعالَجين، لكن من ذا الذي يبتّ في مسألة معقوليّة العلاج؟ لا أحد يبتّ في هذه المسألة حاليًّا، ولا توجد هناك معايير لقياس البُعد أو الزّمن أو الجودة، وهو ما يسمح بوجود مثل هذا التّمييز السّافر في جهاز إعادة التّأهيل بين المركز و"الضّواحي".
في غياب معايير تُلزِم المنظومة، ليست هناك طريقة لتقليص الفجوات، ممّا يؤدّي إلى انتهاك الحقّ في الصّحّة. إذا كان يتوجّب على المرضى الذين يحتاجون إلى إعادة تأهيل في مناطق سكناهم أن ينتظروا وقتًا طويلًا، او إذا كانوا يلاقون صعوبة في الوصول للحصول على العِلاج اللّازم، بسبب البُعد، لن يستطيع هؤلاء أن يستعيدوا القدرة على السّير أو على الكلام، ناهيك عن استعادة الرّوتين السّليم والمُستقلّ.
جمعيّة حقوق المواطن، المُنتدى المدنيّ لتعزيز الصّحّة في الجليل، مُنتدى الصّحّة في الجنوب، شتيل، أطبّاء من أجل حقوق الإنسان، جمعيّة "بزخوت"، مجلس النّقب، مركز أدفا، رؤساء المجالس المحلّيّة، المجلس الإقليميّ للقرى غير المُعترف بها في النّقب ومنظّمة "كيرن" - اجتمعت كلّ هذه على وجوب تصليح هذه المسألة. بناءً على ذلك، توجّهنا منذ فترة قصيرة إلى وزارة الصّحّة طالبين أن تحدَّد معايير واضحة لخدمات إعادة التّأهيل. إذا لم تعتمد الوزارة بذاتها هذه المُبادرة المُهمّة، سوف ننظر حتّى في الاستئناف إلى محكمة العدل العليا، لئلّا يُضطرّ أيّ طفل ولئلّا تُضطرّ أيّ عائلة إلى السّفر كلّ تلك المسافة من الجليل والنّقب وصولًا إلى المركز أو إلى القدس للحصول على علاج أساسيّ تضمنه سلّة الخدمات الصّحّيّة. هذا، ببساطة، أمر غير معقول.
ليطفين هي مديرة قسم المواطنين في منظّمة أطبّاء من أجل حقوق الإنسان؛ كوهن هي محامية في جمعيّة حقوق المواطن
[email protected]
أضف تعليق