ومن يهتم بفلسطين من العرب إذا لم تهتم مصر بها وبشعبها وقضيتها؟ ما أفرده الرئيس المصري في خطابه الأخير من قاع القطر المصري في الصعيد، لأكثر من ربع ساعة للمسألة الفلسطينية، يشير إلى أن القاهرة قد جمعت أطراف الأحداث الأخيرة، على الملف الداخلي الفلسطيني، وعلى ملف الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي من ناحية ثانية، وبحيث تبين للعاصمة المصرية، أن هناك "فرصة سانحة" لوضع حد لهذين الملفين الشائكين والمعقّدين. وإذا ما عدنا إلى الوراء قليلاً، خاصة في الأسابيع الأخيرة، لوجدنا أن حديث الرئيس المصري عن "فرصة سانحة" له ما يبرره من وجهة نظر مصرية، فبعد عودة العلاقات "الأخوية" مع دول الخليج العربي، خاصة السعودية، وبعد الحديث المتواتر حول كونفدرالية تضم الضفة الغربية إلى الأردن، ووصول المبادرة الفرنسية إلى طريق مسدود بسبب رفض إسرائيلي أميركي لها، في وقت تتم فيه دعوة الرئيس الفلسطيني إلى القاهرة والقمة التي عقدها مع الرئيس السيسي، كل تلك الإشارات، وعديد غيرها، تؤكد أن هناك جدية مصرية في تحدي العقبات التي اعترضت الملفين المشار إليهما، المصالحة الفلسطينية، واستئناف العملية التفاوضية على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
سبب الرفض الإسرائيلي للمبادرة الفرنسية، يعود كما هو معلن، الى أن الثابت الأساسي لدى حكومة نتنياهو ـ كما الحكومات السابقة ـ أن أية مفاوضات أو تسوية سياسية يجب أن تتم عَبر مفاوضات ثنائية فلسطينية ـ إسرائيلية، مهمة أية وساطة، بما فيها الوساطات الأميركية المتعاقبة، هي جمع الطرفين على طاولة مفاوضات ليس أكثر من ذلك، المشكلة في هذه الحال ليس بمضمون المبادرات، من أي جهة كانت، بل بموقف إسرائيلي ثابت، سبق وأن اختبرته منذ حكومة "اولمرت" مروراً بمساعي وزير الخارجية الأميركي جون كيري بهذا الشأن.
ومن الواضح أنه ليس هناك من جديد على صعيد الموقف الإسرائيلي، الإشارة من قبل مكتب نتنياهو رداً على زيارة رئيس الحكومة الفرنسية لتسويق مبادرة بلاده، ان نتنياهو مستعد لوساطة فرنسية لعقد اجتماع ثنائي مع الرئيس عباس في باريس، كما بات من الواضح، أيضاً، أن ذات الموقف إزاء المبادرة المصرية، وفي الغالب أنه تم الاتفاق على هذا الأمر قبل إعلان السيسي عن مبادرته حول "الفرصة السانحة"، وما كشفت عنه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، في عددها بالأمس، يعزز هذه الفرضية، عندما أشارت إلى أن وفداً إسرائيلياً رفيع المستوى يضم قيادات من وزارة الخارجية والأمن وصل بالفعل إلى القاهرة والتقى مسؤولين مصريين في الخارجية والأمن القومي، بهدف ترتيب لقاء يجمع بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس، في العاصمة المصرية، وأشارت الصحيفة إلى أن الوفد حمل معه عدة مقترحات حول هذه القمة، إضافة إلى مقترحات ذات طبيعة أمنية حول ما يجري في سيناء، خاصة فيما يتعلق بقوات حفظ السلام الدولية! ورغم انتشار هذه الأخبار حول القمة الثلاثية، إلاّ أنه لم ينفها أي طرف من الأطراف الثلاثة، ما يشير غالباً، إلى أن ما أوردته الصحيفة صحيح بالمجمل، إضافة إلى أن كافة المؤشرات تعزز مثل هذا الأمر، إذ أن المسألة لا تتعلق وفقاً للمفهوم الإسرائيلي بعملية تفاوضية عَبر مؤتمرات، كمؤتمر باريس، أو حتى مؤتمر بالقاهرة، بقدر ما يتعلق الأمر بتهيئة الأجواء لمفاوضات ثنائية، إسرائيلية ـ فلسطينية، وذلك ربما عَبر اجتماعات ثلاثية تمهيداً وتسهيلاً لمثل هذه المفاوضات الثنائية، ونتذكر هنا، أن دور جون كيري، وزير الخارجية الأميركية، كان يقتصر على عملية تذليل العقبات أمام المباحثات الثنائية ليس إلاّ! رئيس الحكومة الإسرائيلية، وفي افتتاحه لأعمال دورة الكنيست الجديدة، أشار، أول من أمس، بعبارات تكاد تكون نفس عبارات الرئيس السيسي: "هناك فرصة للدفع نحو تسوية إقليمية ـ مضيفاً ـ لكي نكون قادرين على مواجهة التحديات الماثلة أمامنا، وكذلك استغلال الفرص السانحة التي تنفتح أمامنا، فأنا أبذل جهدي الكبير لتوسيع الحكومة"! هل إشارة نتنياهو وربطه بين ما أسماه بالفرص السانحة وتوسيع الحكومة، لها ما يبررها، فهناك فرصة سانحة، ويجب أن تكون هناك استعدادات لدى حكومته الواسعة للاستجابة لمتطلبات هذه الفرصة، مزيداً من التشدد والاشتراطات، اعتماداً على أكثر من طيف في حكومته، أطياف اليمين الديني، واليمين الوطني، واليمين الليبرالي الذي يمثله ليبرمان، جبهة صامدة وصلبة لغرض استجابة الأطراف الأخرى، الفلسطينية والعربية، للاشتراطات الإسرائيلية، بدعوى سبق وأن استخدمها نتنياهو أثناء علاقاته المتوترة مع إدارة أوباما حول المفاوضات "هناك لدي حكومة متشددة، وإذا "ما تنازلت" فإن حكومتي ستسقط".
إذن هي "فرصة سانحة" أمام حكومة نتنياهو، لاقتناص كافة التداعيات العربية والإقليمية التي جاءت لمصلحة رؤيتها لتسوية سياسية وفقاً لشروطها، فرصة يجب استغلالها على ضوء ميزان القوى، على مختلف الأصعدة، المائل لصالحها، ولعلّ الحديث عن تعديل المبادرة العربية، ما هو إلاّ لتأكيد مثل هذا الميلان، ولعلّ المنظومة العربية لم تتعلم الدرس الناتج عن التجربة: كلما تنازلنا، كانت هناك مطالبة بتنازلات إضافية، تعوّدت حكومات إسرائيل على فهم متواصل للتراجعات العربية المتدحرجة.. وهذا ما هو عليه الأمر الآن!! -
[email protected]
أضف تعليق