استدعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وزير حربه موشي يعالون لتوبيخه، إثر ما صرح به هذا الأخير أمام مجموعة من الضباط الكبار عن حقهم في التعبير عمّا يعتقدون به حتى لو كان ذلك مخالفاً للمستوى السياسي. نتنياهو اعتبر هذا التصريح مُوجَّهاً وتحريضاً ضده، نحن هنا لسنا في سياق البحث عن أسباب هذا التوبيخ أو الخلاف بين رئيس الحكومة ووزير حربه، رغم أن لدينا ما نقوله بهذا الشأن، إلاّ أننا نحاول الربط بين تصريح وزير الحرب الإسرائيلي، وجملة من التصريحات الآخذة بالتزايد خلال الفترة القصيرة الماضية والتي تعبّر أولاً عن تزايد أشكال العنصرية في إسرائيل، لدى الأوساط الاجتماعية والأوساط السياسية والحزبية على حد سواء، من ناحية، وبالتوازي مع هذا الأمر، هناك جملة من التصريحات المفاجئة والجريئة التي تعبر عن قلق الإسرائيليين جراء الموجة العنصرية والفاشية التي تهدد قيم «التسامح والمساواة» التي تدّعيها الدولة العبرية وتكشف أكثر من أي وقت مضى، حقيقة البنية القيمية لهذا الكيان، وما يميز هذا التيار أنه في الغالب قادم من حيث لا يجب أن يكون، الجيش الإسرائيلي والمؤسسة العسكرية التي كما يبدو، ولو بشكل أولي، يتعارض مع الفكرة السائدة من أن هناك جيشا له دولة وليس دولة لها جيش، وكأنما هذا الجيش، موكل له الحفاظ على هُويّة الدولة العبرية المعلنة في مواجهة أجواء العنصرية والفاشية، وكأنه يقرع أجراس الخطر، في حين رأى البعض الآخر في وقت سابق، أن الجيش الإسرائيلي قد يكون الملجأ الأخير، بقيامه بانقلاب في مواجهة تزايد أجواء التطرف والعنصرية والفاشية؟! ويأتي تصريح ـ

خطاب يعالون المشار إليه أمام ضباطه، إثر ما أحدثته جريمة مقتل طفلة فلسطينية إثر إفراغ الجنود الإسرائيليين عدة طلقات في جسدها بدعوى حملها مقصاً، عندها أثار رئيس أركان الجيش زوبعة من الانتقادات عندما أشار إلى أن هناك من استخدم القوة غير المبررة أمام فتاة بعيدة عن أن تشكل مصدر خطر مباشر، الأمر الذي يشكل تهديداً «لأخلاقيات» الجيش الإسرائيلي!! إلاّ أن أكثر ما سجّل صدمة للمستويات المختلفة في التيارات اليمينية المحافظة والمتشددة في إسرائيل، التصريحات التي أدلى بها نائب رئيس الأركان يائير غولان في خطابه في ذكرى «الهولوكوست» عندما قارن بين الوضع الحالي في إسرائيل، وألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية: «علينا أن نجري مراجعة أساسية، بكيفية التعامل مع من يشبهوننا، فليس ثمة أسهل من كراهية الأجنبي، ليس هناك أسهل من إثارة الخوف والذعر، لا يوجد أسهل من إنتاج السلوك البهيمي والبربري والتزلف والنفاق والترفع..

هناك تدمير ذاتي على طريق التدهور الأخلاقي لدينا» كلمة غولان لم تكن مكتوبة، ما يشير إلى أنه مؤمن ومقتنع في لحظة ما حاسمة بما تناوله من موضوع بالغ الحساسية، وهو بذلك خاطر بمستقبله السياسي والعسكري، ومن المؤكد أنه لن يرشح على الإطلاق، باعتباره نائباً لرئيس الأركان، في منصب رئيس الأركان في المستقبل، من هنا، لا يمكن النظر إلى هذه الكلمة باعتبارها مجرد أقوال للاستهلاك بقدر ما هي أقوال تحذير وقلق ومحاولة لدق ناقوس الخطر.

الخطاب العنصري لدى أوساط اليمين الفاشي الإسرائيلي، لم يعد مقصوراً على تسريبات وسائل الإعلام أو في الجلسات والاجتماعات، بل باتت أكثر علنية ووقاحة، منها ـ على سبيل المثال ـ تلك الدعوة التي أطلقها النائب عن حزب «البيت اليهودي» بتسيلئيل سموتريتش، على صفحته في «فيسبوك» إلى فصل الوالدات العربيات عن الوالدات الإسرائيليات اليهوديات في المستشفيات، ما يعكس أن العنصرية لم تعد مقصورة على سلوكيات أفراد أو جماعات، بل هي سياسة رسمية، كون النائب المذكور ممثلا للجمهور الإسرائيلي، كما أن ردود الفعل على هذا المنشور من قبل أعضاء حكومة نتنياهو، إما كانت مؤيدة، أو مفسرة ومبررة أو متجاهلة، ما يعكس أن حكومة نتنياهو تغطي على هذه الأجواء العنصرية وتنسجم معها، وكأنما هذه التصريحات تصدر «بالوكالة» عنها كي لا تتحمّل مسؤولية البوح بها! يشير الباحث بالشأن الإسرائيلي، إسماعيل مهرة، إلى دور الجيش في هذا السياق، ومن ضمن عوامل أخرى، إلى أن غياب المعارضة السياسية عن أن تقوم بدورها في كبح جماح هذا الخطاب العنصري، وفّر للجيش فرصة دق أجراس مخاطر هذا التصعيد العنصري، باعتباره «الجيش»، آخر حصن في مواجهة «الغوغائية الفاشية».

وهناك أحزاب من المعارضة، ليست أقل عنصرية من البيت اليهودي، كما أن المعارضة «المعتدلة» أو العلمانية، باتت تتماهى أكثر وأكثر مع سياسات الحكومة، بل انها تسعى للفوز بمكانة لها في حكومة نتنياهو الفاشية. وإذا كان الخطاب العنصري مُوجَّها ضد العرب أساساً، فإن ذلك ربما يغطي على مظاهر عنصرية داخلية في المجتمع الإسرائيلي، والأفكار العنصرية لا يمكن حصرها إلى الأبد في سياق واحد، لذلك فإن مخاطرها ستتمدد إلى الكيان الاجتماعي للدولة العبرية!! -

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]