ابن السائق الباكستاني وابن الخياطة المسلم، يصبح أول رئيس بلدية لأهم عاصمة اوروبية من حيث التاريخ والتأثير، صادق خان، انتقل في حياته كأسرة مهاجرة في بريطانيا من فوز الى آخر، وفي كل مرة كان فوزه مثار الحديث وربما الصدمة لدى بعض الاطراف، كان وزير دولة ثم وزيراً للنقل والمواصلات، الا ان هذين المنصبين، على اهميتهما كانا اقل اثارة من وصوله الآن الى عمادة العاصمة البريطانية، وعندما كان وزير دولة، ثم وزيرا في الحكومة العمالية عام ٢٠٠٩، لم تكن الاسلاموفوبيا قد وصلت الى ان تصبح احد اهم مناهج الصدام الغربي مع الاسلام السياسي، وربما ذلك ما يفسر عدم اثارة الكثير من اللغط حول فوزه بالمنصبين، كما هو الامر عليه الآن، اذن فإن الظروف التي نجمت عن الربيع العربي، خاصة فيما يتعلق بما يثيره الدور الذي بات يلعبه الاسلام السياسي، انطلاقا من المنطقة والاقليم الى العالم، هو الذي يجعل من فوز صادق خان، يأخذ هذه الابعاد الذي تحول بفضل الخبر الى حدث!

من الواضح ان ديانة «صادق» الاسلامية، جعلت من فوزه يحتل هذه المكانة من الاثارة على مستوى المنطقة العربية، الا انها بالتأكيد لم تكن هذه الديانة ذات تأثير واضح كسبب من اسباب فوزه، «صادق» مجرد سياسي بريطاني ناجح، لعب دوراً مؤثرا في منطقة سكناه في احد افقر حواري العاصمة البريطانية الجنوبية «حي توتينغ» بات نائبا عن هذا الحي بفضل جهوده في خدمة سكانه من الاوساط الشعبية، مستفيدا من ديمقراطية بريطانية عريقة، تضع الديانات والاجناس وراء ظهرها عندما تتحقق من خلال سياسات، وبالتالي فإن فوزه او اخفاقه، لم يكن لديانته اي دور، وفي حين احتفل المسلمون او بعضهم بفوزه على اساس هذه الديانة، فعلى الأرجح انهم سيهاجمون بريطانيا لو انه خسر، على اساس هذه التهمة، الديانة، تغنى هؤلاء بالديمقراطية البريطانية التي مكنت مسلماً من الوصول الى هذا المنصب الرفيع في أوروبا كلها، في حين ولأسباب مضادة، سيترحمون على هذه الديمقراطية لو انه فشل في الوصول الى هذا المنصب، وليتم وصم الديمقراطية البريطانية بالتمييز على اساس ديني.

نسي هؤلاء كيف قدم صادق خان لمواطنيه البريطانيين، بكل بساطة وحذاقة وذكاء لإقناعهم بأنه الأفضل كي يمثلهم في رئاسة بلدية عاصمتهم، يقدم خان نفسه قائلا: «انا مواطن بريطاني متزوج ولدي طفلتان، اشجع نادي ليفربول ومن مشجعي نادي برشلونة على الصعيد الدولي» هذا هو صادق خان كما يقدم نفسه ويعرف مواطنته كبريطاني عادي رغم كونه سياسيا مثابرا، انضم الى حزب العمال واصبح احد نجومه في تياره اليساري، بعيدا عن المعايير ذات الطبيعة الدينية، التي حاول المحتفلون بديانته ان يجعلوها سببا لنجاحه وفوزه.

كما نسي هؤلاء ان صادق خان، صوت لصالح زواج المثليين في بريطانيا، رغم ان عددا من نواب حزبه صوتوا ضد هذا الزواج، فهل سيعجب هذا التصويت الذين هللوا لفوزه على أساس ديانته؟! واذا ما تجاهل هؤلاء هذا التصويت وعلاقته بديانته الإسلامية، هل سيستمرون في الإشادة بصادق خان، بعد ان عرفوا ان اول نشاط سياسي - اجتماعي له بعد قسمه لليمين لتسلم منصبه، كان مشاركته في تأبين ضحايا الهولوكست، كأول عمل رسمي بعد تسلمه المنصب، كما انه وبعد ست ساعات من تسلمه المنصب قال لصحيفة The Jewish News، انه سيزور إسرائيل في إطار تنمية العلاقات التجارية معها، اذا لم يسمعوا ذلك، فإن اي متابع منهم، تابع قبل الانتخابات بأيام قليلة انتقاده لبعض الأوساط في حزب العمل، التي اتهمها «بمعاداة السامية» مشيرا الى ضرورة تنظيف الحزب من هؤلاء، حتى ان بعض وسائل الإعلام البريطانية، اعتبرت موقف صادق خان في هذا السياق، شكلا من أشكال «الاعتدال» في مواجهة إسرائيل، في تعارض واضح مع رئيس الحزب جيرمي كوربين، المعروف بوقوفه الى جانب القضايا العربية عموما وقضية الشعب الفلسطيني على وجه الخصوص».

اثناء استماعي الى احد البرامج الإذاعية، تمت الإشارة الى ان صادق خان كان قد صرح ضد منظمة المقاطعة لاسرائيل، الا انني حاولت الوصول الى مثل هذا التصريح لكنني لم اعثر عليه، وبالتالي لا يمكن تسجيل ذلك باعتباره موقفا الى حين التأكد من مصدر هذه الاشارة، الا انني لا استبعد ذلك على ضوء حملته الانتخابية ناهيك عن مواقفه التي تنسجم ومضمون تلك الإشارة.

ايام قليلة، وخف الهرج والمرج، احتفالا بفوز اول مسلم بعمادة بلدية لندن، السبب، ليس لمواقفه التي اشرنا اليها، ولكن لان بعض المحتفلين، لم يعرفوا ان صادق خان «شيعي» تراجع المحتفلون، بينما ظل صادق خان، مجرد مواطن بريطاني من أنصار فريق ليفربول ومشجعاً لنادي برشلونة قبل اي شي آخر، بما في ذلك عمادته لبلدية لندن!!


 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]