صادف السادس والعشرين من آذار 2016 الذكرى الثلاثون لإعتقال المناضل العربي الفلسطيني والكاتب والمثقف وليد دقة أبن مدينة باقة الغربية داخل الخط الأخضر، وكان قد التحق بإحدى خلايا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واعتقل بتاريخ 26/3/1986 عندما كان في السادسة والعشرين من عمره وكان آنذاك عامل بناء، وصدر بحقه السجن المؤبد والذي تم تحديده لاحقا قبل عامين لـ 37 عاماً، وهو الآن في الخامسة والخمسين. كان وليد قد ترك مقاعد الدراسة قبل إنهاء المرحلة الإعدادية، وبعد إعتقاله عمل لنحو عقدين في المؤسسات التنظيمية واللجان النضالية الإعتقالية داخل المعتقلات التي تنقل بينها جميعاً، وعندما تمكن الأسرى من كسب حق التعليم الجامعي بعد إضراب طويل كان من أوائل من التحقوا بالجامعة العبرية المفتوحة وحصل على درجة البكالوريوس، ثم شهادة الماجستير في العلوم السياسية، ولم يكتف بذلك بل التحق بجامعة القدس لينال درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية - تخصص دراسات إسرائيلية.
المناضل وليد هو نموذج يحتذى به، فقد حقق نجاحاً غير مسبوق في التعليم والثقافة في تاريخ الحركة الأسيرة، ويعتبر من أبرز المثقفين في السجون حيث حرص وما زال على المطالعة بمعدلات تزيد عن أثني عشر ساعة يومياً في الفلسفة والأدب والسياسة والفكر والتاريخ، كما أنّ ثقافته في القضايا الإسرائيلية عميقة ومميزة هو يتقن اللغة العبرية، مثقف شامل يقرأ ويكتب في المسرح والأدب والفن والسياسة والفكر، كما أنه لم يتردد لحظة عن تدريس وتعليم أخوته ورفاقه الأسرى، وهو يحظى بإحترام وتقدير الأسرى على خلاف إنتمائاتهم وفكرهم.
ولعله من الصعب الحديث عن وليد المناضل والمثقف والأسير والقائد دون الحديث عن شريكة عمره ورفيقة دربه وحبيبته وزوجته المناضلة الصابرة سناء، المناضلة التي أرتبطت بقصة حب مع شاب محكوم بالمؤبد، ومنذ ما يقارب الربع قرن وهي تنتظره وتواظب على زيارته طوال هذه السنوات حاملة قضيته وهمومه في كل مكان، ويعرف الفلسطينيون جميعاً سناء الحاضرة في المسيرات والإعتصامات والنشاطات والمؤتمرات، وهي المناضلة والمثقفة والتي يشكل موقفها مصدر قوة وثبات للمناضل وليد.
خلال العقود الثلاثة الماضية مرّت أحداث كبيرة، عالمية وإقليمية وعربية وفلسطينية وإسرائيلية وكذلك على الأقلية العربية الفلسطينية في الداخل الذي ينتمي إليها وليد، وشهد العالم خلالها صعود وهبوط وسقوط امبرطوريات ودول وأحزاب وزعماء، وحروبا ومعاهدات، وسقوط نظام دولي وقيام آخر، وانتشرت العولمة والتكنولوجيا، وتغيرت الأحوال بشكل جذري، وشهدت فلسطين انتفاضتين واتفاقية أوسلو وقيام السلطة الفلسطينية وصفقات تبادل وإفراجات، وظل المناضل الكبير وليد والمناضل كريم يونس وغيرهم من الأسرى في السجون طوال هذه العقود.
رغم ظروفه الصحية الصعبة بقي يتابع التطورات بإهتمام بالغ، وواصل وليد إنتاجه الأدبي والسياسي والفكري، فأسهم في مسرحية " الزمن الموازي" التي أثارت ضجة كبيرة في إسرائيل واستدعت منع وزير الثقافة المتطرفة ميري ريغف للمسرحية ووقف الدعم عن مسرح الميدان والتي أعيدت بقرار من المحكمة العليا قبل فترة قصيرة، كما أصدر وليد كتاب " بوتقة الصهر". السؤال الآن من هو المسؤول عن قضاء وليد ثلاثة عقود في سجون الإحتلال؟ ومن الذي أبقاه في هذا الوضع؟ ولماذا لم تشمله صفقات التبادل بما في ذلك صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط)؟ ولماذا لم تشمله الإفراجات في إطار أوسلو؟ وأين مسؤولية القيادة الفلسطينية التي فاوضت ووقعت الاتفاقيات وعادت إلى فلسطين وتركت مصير الأسرى بيد الاحتلال؟، أين مسؤولية القيادة الفلسطينية عن هؤلاء المناضلين الذين انخرطوا في المقاومة ونفذوا العمليات بتعليمات من قيادتهم وفصائلهم معتقدين أنّ القيادة لا تتخلى عن الجنود؟ عندما تتخلى القيادة عن جنودها فان من حقهم أن يتخلوا عنها.
هل يعقل أن يبقى كريم يونس، ووليد دقة، وماهر يونس، ومحمود أبو سرور، وناصر أبو سرور، وأحمد أبو جابر، وجمعة آدم، ومحمد إغبارية، وغيرهم والقائمة طويلة، هل يعقل أن يبقوا كل هذا الوقت داخل السجون؟ أليس التفريط بحرية المناضلين جريمة بل أكثر من ذلك؟ وهل يعرف الرئيس والقيادة وقيادة الفصائل على اختلاف مسمياتها أن هناك أكثر من 1500 أسير قضوا حتى الآن أكثر من عشر سنوات في السجون؟ ومئات منهم أكثر من 15 سنة؟ وهل يعلم هؤلاء أن هناك نواب في التشريعي وقادة كبار وفي مقدمتهم المناضل والزعيم الوطني مروان البرغوثي والقائد الوطني أحمد سعدات وغيرهم في السجون؟. ألم يحن الوقت لفعل نضالي وسياسي وشعبي يقود لتحرير الأسرى؟ أليس من حق هؤلاء الذين ضحوا بحريتهم من أجل حرية شعبهم ووطنهم أن نناضل في سبيل حريتهم؟.
إن الضمير الوطني يوجب على كل الأحرار العمل لإطلاق وتحرير الأسرى وفي مقدمتهم وليد دقة وكريم يونس واخوانهم، والدفعة الرابعة، والقادة والنواب، والأطفال والأسيرات والمرضى، وجميع الأسرى دون استثناء، إن تحريرهم ليس شأناً وطنياً أو سياسياً فحسب بل هو أساسي وجوهري للحفاظ على جذوة المقاومة، وان تحرير الأسرى يولد زخماً نضالياً ومعنوياً كبيراً لاستمرار مقاومة الفلسطينيين للمشروع الصهيوني الاستعماري.
أخيراً، وبهذه المناسبة نوجه التحية للمناضل والأديب والمثقف وليد دقة، ولكريم يونس، ولكل الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال. كلنا أمل وثقة أنّ شعبنا لن يتخلى عن أسراه الذين ضحوا في سبيل حريته ولنا موعد مع الفجر وإنه لقريب.
[email protected]
أضف تعليق