لقد قرأت كتاباً للنائب سعيد نفاع السابق، بين يهوديتهم وطوائفيتنا وبين ما جاء في هذا الكتاب في صفحة 58-59. معطيات نشرها الدكتور جريس خوري صحيفة كل الناس تشير إلى تراجع نسبة المسيحيين في البلاد وهو مؤشر خطير وأن الدكتور جريس يُحَمَّل للأغلبية المسلمة هذا التراجع ويلومها لعدم قيامها بدورها التاريخي في حماية المسيحيين في الشرق عموماً وفي بلاد الشام خصوصاًٍ. عندما قرأت هذا الاستطلاع والإحصاء الذي صدر عن دائرة الإحصاء المركزية فوجئت جداً وحزنت كمسلمٍ يحب شعبه وأمته ويرى في هذا التنوع، الجمال كله والتآخي التاريخي بين مكونات هذه الأمة: التي بنت حضارتها وثقافتها على احترام الغير: لكم دينكم ولي دين، لا إكراه في الدين، هكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يحترم الآخرين ويحترم عقائدهم ويرى في التوراة والإنجيل كتباً سماوية فآمن بها مثل ما آمن بالقرآن الكريم.
ولا أدري لماذا الدكتور جريس خوري يلقي علينا اللوم في هذا التراجع لنسبة إخواننا المسيحيين مع أني لا أملك التفاصيل لهذا اللوم. ويتهمنا بعدم قيامنا كمسلمين بحماية المسيحيين؟؟
لقد بلغت من العمر ما يزيد عن ثمانية وستين عاماً. ولم أسمع يوماً أن حرباً طائفية نشبت بين مسيحيين ومسلمين في هذه البلاد سوى مناكفات أو طوش قد تكون فردية أو حزبية عاديةً مثل ما ينشب أحياناً بين عائلات مسلمة بعضها بعضاً، بل بالعكس لقد كان بين المسلمين والمسيحين على مدى قرون تلاقٍ في الكثير من الأمور الحياتية والوطنية وحتى المراسم الدينية والجوار الحسن والعلاقة الأخوية الطيبة وقاتلوا معاً جنباُ إلى جنب قديماً وحديثاً ضد الغزاة والمحتلين.
وأعطي مثالاً على هذه العلاقة تجربتي الشخصية عندما أقمنا التجمع الوطني عام 1996م أعطينا (الشيخ عزمي بشارة) وهو مسيحي الديانة أنا وأخي فريد أبو مخ ثقتنا كشيخين مسلمين مؤسسين في التجمع الوطني وأصدرنا بياناً في ذلك وفي المؤتمر الأول للتجمع لرئاسة التجمع وكان ذلك في قاعة الأنيس في أم الفخم 1996 وعندما حان وقت الاقتراع لرئاسة التجمع وهذا كان متفقاً عليه سابقاً.
وإذا "بالشيخ عزمي" ينسحب من الترشيح في الدقيقة التسعين. فجاء إلينا "الشيخ عزمي" وقال إن واصل طه وحسن جبارين جاءوا ومعهم عائلتهم وأنا ليس لي عائلة. فقال له: الأخ عبد العزيز أبو إصبع نحن اللجنة للوحدة الوطنية عائلتك وفاز الشيخ عزمي بالتزكية دون اقتراع. وكنا نحن شيخين مسلمين بارزين في التجمع ولم نتعنصر ولم نتعصب لا إلى أبناء ديننا ولا شركاءنا في هذا الدرب الوطني الطويل.
لذا لا أرى أن تحميلنا كمسلمين هذا الذنب غير منصفاً وقد تكون هنالك عوامل أخرى قد تكون اقتصادية أو غير ذلك لست مؤرخاً أو باحثاً ولا حتى مؤهلاً لأن أخوض في ذلك ولكن تجربتي مع إخواننا المسيحيين كنا نقدمهم على أنفسنا في الكثير من الأمور.
لقد تعاملت مع الكثيرين منهم، مثال المرحوم منصور كردوش وحنا مويس والسيد مسمار وأميل حبيبي وأميل تومأ والقس رياح أبو العسل وتوفيق طوبي وغيرهم الكثير فكنا نتعامل كأخوة. بكل معنى الكلمة دون حرج ليس لأنهم الأفضل أو الأرقى ولكن إتباعاً للآية الكريمة : " يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " احتراماً منا وتقديراً ومحبة.
إن تراجع نسبة الإخوة المسيحيين في البلاد وهذا اجتهاد قد يكون سببه عدم الاستقرار الأمني والمعيشي في الشرق عموماً وفي بلادنا خصوصاً وإن البعض منهم لا يقوى على مثل هكذا حالات ففضل الهجرة على البقاء.
إن العلاقة بين العرب السنة والشيعة والدروز من جانب والأخوة المسيحيين من جانب آخر وهي حساسة وشفافة جداً.وهذا شيئ طبيعي لان العداء الغربي للعرب وخاصة المسلمون منهم وكثرة غزواتهم وحروبهم لنا وعداءهم المستحكم على مدى قرون طويلة للإسلام والمسلمين هو الذي أدى لذلك الى هذه الحساسيه.
وقد يكون هذا الأمر القائم! أن البعض في الحركات الإسلامية المتطرفة ربطت عداءها للغرب بعداءٍ المسيحيين في بلادنا لكونهم شركاء في الدين مع المسيحيين الغربيين وهذا إن كان قائماً فإنه خطأً كبيراً وسلوكاً لا يمت للإسلام بأي صلة فهو اجتهادٌ باطل. وعلى من يفكر هكذا أن يعيد حسابه ويتراجع عن سلوكه هذا ليبقى على الطريق الصحيح والمستقيم.
إن الكثير من العوامل التي تبعث على الفتنة بين مقومات وشرائح أمتنا من مسيحيين ومسلمين ودروز وهذا قد يكون عمل مدروس فرِّق تسد سببه أعداء هذه الأمة والمتربصين بها فهذا دائبهم. وتلك سياستهم وذلك ليس بجديد !!
وإن ما سمعناه بالأمس القريب على لسان زعيم أكبر دولة في العالم بوش الابن عندما غزا العراق فقالها بفمٍ ملآن إن هذه الحرب هي حرب صليبية وأنه يقوم بها لأنه ينفذ أوامر الرب فهزم بوش الابن ولم تكن تلك الإيحاءات إلا إيحاءات شيطانية وليست ربانية.
فإن مثل هذه التفوهات العنصرية الإجرامية: زادت من القناعة لدى الكثيرون من المسلمين أن أمتهم في خطر وأن الحروب الصليبية لم تنتهي بعد !!! وما زالت تعشش في أذهان مثل هؤلاء القادة. مما جعل بعض الحركات الإسلامية أن ترفع شعاراً محاربة (المسيحين الكفرة) وهذا خطاٌ فادحاً وظلمٌ كبير لإخواننا المسيحيين بكل المفاهيم والمستويات وذلك تعميمٌ قبيحٌ !!
إن الطوائف المسيحية في مجتمعنا مثلهم كمثل باقي الطوائف في هذا المجتمع فيهم الصالح والطالح ولا يجوز لأحدٍ منا جميعاً أن يعمم. وأن يأخذ مقولة أو فعلاً مثل تصريح بوش الابن، أو فعلة القسيس الأمريكي المهوس الذي أحرق القرآن الكريم أمام كاميرات التلفاز العالمية. أو كالذي أنتج فيلماً مسيئاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لتكون ردة الفعل مخترقةً لكل ذاكرة وليسجلها التاريخ ولتكون في المستقبل عذراً لعملٍ طائش وغير مقبول.
صحيح أن هذه الأعمال تثير الغضب والاشمئزاز ولكن بجب على كل مسلم عاقل أن يأخذ بهذه الآية : " ولا تزر وازرةً وزرا أخرى"
يجب على الجميع من مسلمين ومسيحيين ودروز الجلوس إلى طاولة واحدة والعمل على تصحيح البوصلة من جديد وأن نحافظ على هذه العلاقة المتينة منذ قرون لكي تحفظ لنا جميعاً عيشاً كريما ولأبنائنا مستقبلاً أفضل وذلك يعود إلى البدايات الطيبة جداً.
عند حضور أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بيت المقدس. لأن يستلم مفاتيح القدس الشريف من أيدي بطاركة وقساوسة القدس الذين أبوا إلا أن يسلموا مفاتيح القدس لعمر بن الخطاب الأمير العادل, دون قطرة دم فدخل عمر القدس وأصحابه وجيشه يرافقهم بطاركة وقساوسة بيت المقدس, ليزور كنيسة القيامة فحان وقت الصلاة فقيل له صلي ها هنا يا عمر. فقال لا ، فقيل له ولم لا؟ قال حتى لا يأتوا من بعدي ويقولوا صلى ها هنا عمر. فتقع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين!!
هذه النظرة الثاقبة البعيدة المدى هي التي جعلتنا كمسلمين نقتدي بها ونسير على منهج قائلها عمر بن الخطاب رضي الله عنه يومها كُتبت العهدة العمرية ليصبح من يومها خادماً لكنيسة القيامة يفتح أبوابها ويغلقها رجل مسلمٌ, وليعيش المسيحيون والمسلمون أخواننا متحابين إلى يومنا هذا.
هذا هو النهج الصحيح والطريق المستقيم فلا يزاود أحدٌ على أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه. صحيح أن مع الزمن كانت هناك كبوات وفتن بين المسلمين والمسيحيين ولكنها لا تزيد عن كونها زوبعة في فنجان تمر كالعاصفة وبعد ان تهدئ, كل شيء يعود إلى طبيعته نحن سنبقى على خطى أمير المؤمنين عمر سائرون بعونه تعالى حتى يرث الله الأرض ومن عليها .
[email protected]
أضف تعليق