قامت إسرائيل بضم الجولان السوري المحتل بعد 14 عاماً من حرب حزيران عام 1967، أي في العام 1981، وعلى الرغم من أن هذا الضم لم يعترف به أحد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، إلاّ أن الاحتلال ماضٍ في اعتبار الجولان جزءاً من الدولة العبرية، لم تطرح مسألة هذا الضم كمشكلة خطيرة على الإطلاق خلال السنوات الماضية وتعامل العالم كله مع الأمر باعتباره واقعاً، وعلى الرغم من قيام ما يسمى بجبهة الممانعة التي كانت تضم سورية وقطر وحزب الله وحركة حماس، إلاّ أن أحداً لم يقترب من مسألة الجولان التي ظلت منسية من قبل تلك الجبهة الهشّة، ولم تطلق هذه الجبهة طلقة واحدة على هذه الجبهة في حين اشتعلت في لبنان وغزة والضفة الغربية بما فيها القدس، وظهر وكأن هضبة الجولان منسية تماماً في اطار الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حتى من قبل جبهة الممانعة هذه، دون تجاهل نضالات أهلنا السوريين في الهضبة ومقاومتهم للاحتلال طوال الفترة الماضية، إلاّ أن ذلك لم يغير من حقيقة أن ما فرضته إسرائيل بات أمراً واقعاً، ملاحظ أن هناك تسليماً بهذا الواقع.
اليوم، تعود قضية الجولان من جديد ارتباطاً بتطورات مستجدة، وعبر الضفة الغربية المحتلة، وعلى مسارين يبدو وكأنهما مختلفان، الأول، عبر دعوة جديدة، لتطبيق القانون الإسرائيلي على "المواطنين الإسرائيليين" في الضفة الغربية، والثاني، عبر صفقة فرنسية ـ إسرائيلية لقبول المبادرة الفرنسية من قبل الدولة العبرية مقابل تجاهل ضم إسرائيل للجولان المحتل. إذ فوجئ المستوى السياسي الإسرائيلي بدعوة وزيرة العدل اييلت شاكيد، النائبة عن الحزب اليميني الإسرائيلي "البيت اليهودي"، العضو في حكومة ائتلاف نتنياهو، إلى تطبيق القانون الإسرائيلي على المواطنين الإسرائيليين خلال عام من خلال أمر من قائد المنطقة العسكرية، هذه الدعوة ليست جديدة، فقد رفضت في الماضي من قبل جهات قضائية، إلاّ أن المفاجأة أنها طرحت في الوقت الراهن من جديد، لأسباب إسرائيلية داخلية بالدرجة الأولى، رغم أنها تعني خطوة أولى باتجاه ضم الضفة الغربية المحتلة إلى الدولة العبرية، كما حدث مع الجولان المحتل. توقيت هذه الدعوى مرتبط أشد الارتباط، بما يقال عن مفاوضات بين نتنياهو، وحزب العمل "المعسكر الصهيوني" بقيادة يتسحاق هيرتسوغ، لتوسيع حكومة الأول الضيقة ولكي تحظى هذه الحكومة بفرصة أفضل للبقاء والاستمرار، إلاّ أن توسيع الحكومة سيأتي على حساب أحزاب الائتلاف القائم وفي الطليعة حزب "البيت اليهودي".
ما تم تسريبه من كواليس المفاوضات بين نتنياهو وهيرتسوغ، أنه في حالة ضم حزب العمل إلى الحكومة، فإن الحزب سيحظى بإسناد وزارة الخارجية والمفاوضات مع الفلسطينيين إليه، إلاّ أن الأهم من ذلك، بنظر زعيم حزب "البيت اليهودي"، أنه سيتم إسناد وزارة العدل إلى حزب العمل، لذلك سارعت وزيرة العدل إلى طرح دعوتها المشار إليها في مواجهة مع نتنياهو، ولكسب الشارع الإسرائيلي الأكثر يمينية وفاشية وعداء للفلسطينيين، ولكي يبدو حزب البيت اليهودي، أكثر يمينية وفاشية من حزب الليكود الذي يقوده رئيس الحكومة نتنياهو، وإذا ما أقدم هذا الأخير على تقليص وزارات "البيت اليهودي" لحساب حزب العمل، فإن ذلك قد يستدعي خروج "البيت اليهودي" من الائتلاف القائم، رغم أن ذلك ليس محتملاً، وفي هذه الحالة، فإن "البيت اليهودي، سيتزعم المعارضة اليمينية وستكون فرصة أفضل في انتخابات برلمانية قادمة، باعتباره الممثل لليمين الفاشي الإسرائيلي. في مؤتمر هرتسليا العام الماضي، دعا وزير الأمن الداخلي في إسرائيل، نفتالي بينيت العالم للاعتراف بضم دولته لمرتفعات الجولان، فسورية لم تعد موجودة كدولة، قائلاً: لو سلمنا الجولان إلى سورية، لكان تنظيم داعش يسبح في بحيرة طبريا، أما الآن فيعيش 23 ألف مستوطن بسلام في الجولان لأن إسرائيل لم تلتفت إلى دعوات العالم المنافق!! اليوم، وكأن هناك استجابة لهذه الدعوة، فعلى خلفية المبادرة الفرنسية، فإن فرنسا، وفي محاولة منها لاسترضاء الدولة العبرية، لكي تقبل بمبادرتها، وحسب ما صرح به أوري سفير، الدبلوماسي والمفاوض الإسرائيلي والمحسوب على حمائم إسرائيل(!) فإن فرنسا أجرت مشاورات مع حكومة نتنياهو، والولايات المتحدة، بهدف بلورة اقتراح يقضي بتعديلات هامة على المبادرة الفرنسية من جهة، ومبادرة جانبية تهدف إلى عقد صفقة يتم من خلالها، ومقابل استعداد إسرائيل لتقبل المخاطر الأمنية والقبول بحل الدولتين على أساس حدود 1967، ان توافق المنظومة الدولية ـ على الأقل في هذه المرحلة ـ ان تغيب قضية الجولان عن طاولة المفاوضات الإقليمية، وحسب المقترح فإن صيغة "الأرض مقابل السلام" ، تعدل بحيث تقتصر على أراضي الضفة الغربية فقط، وحسب سفير، فإن الوضع السائد في سورية سيساعد على قبول مثل هذا الاقتراح!! (موقع أطلس). صفقات في إطار اقتراحات، تجري كلها لاسترضاء الدولة العبرية المنشغلة باستغلال الأوضاع الإقليمية والدولية لصالح اشتراطاتها واستهدافاتها، وحسب نفتالي بينيت، فإن العالم فعلاً، بات أكثر نفاقاً، ولكن لصالح استرضاء الدولة العبرية على أنقاض الحقوق العربية، سواء في فلسطين المحتلة أو الجولان المحتل!! -
[email protected]
أضف تعليق