رقصة جديدة هذه المرة، ولعبة أخطر وغليان في الأرض العراقية دون صوت. هذه هي النهايات الأميركية المفتوحة. قبل أشهر من مغادرة الرئيس الأميركي البيت الأبيض، قاذفات صواريخ متعددة من طراز جديد في الأرض العراقية بعد مدفعية القصف الملاحي، الهدف: داعش. أين؟ في العراق وسوريا.
القاذفات في الطريق إلى مواقع سبق أن جُهزت في نينوى، وقد يزيد العدد وفقاً للحاجة الميدانية أو ما يفرضه وضع سياسي عراقي أو غير عراقي، تلوح بها عندئذ واشنطن لترتيبات إدارة عراقية في نينوى أو الانبار، أو في كل غرب وشمال غرب العراق. المنظومة الجديدة سبقتها مدفعية بمديات أبعد، والأهداف الأميركية على الأرض وفي عراق ما بعد أزمة داعش هي الأخرى أبعد، كل ذلك ينبئ برقصة جديدة على أرض، يعلم الراقصون أنها ملغمة.
"خدعة جديدة" يقول من يشكك بالدور الأميركي، واشنطن غير جادة بتحرير الأرض العراقية سريعاً قبل التأكد مما ستحصده، هكذا كما حال السوق والتجارة. والدور الأبرز هو رهانها على الائتلاف الحاكم، وتدخلها وإن لم يكن مباشراً فجاً، إلا أنه كان واضح الأثر، حفظت به وضعاً سياسياً من ارتجاجات كادت تعصف به، غير ذلك فإننا قد نكون دراويش. كلنا دراويش إن صدقنا أنها لم تتدخل، فافتراض حسن النية بما يتصل بالدور الأميركي في العراق، يجعلنا ننظر من الزاوية التي تريد واشنطن.
ولأن الإدارة الأميركية لم تُحسن خياراً في عراق احتلته، فإن ما من خيار آمن لها إلا ترك الباب موارباً لوجودها وعودتها، والعودة اليوم وفق طلب عراقي وحاجة المواجهة. هنا وفي فوضى الحرب وتسارع التطورات في العراق والإقليم والتي ترافقها عواصف احتكاكات الداخل في مناطق الخليط العراقي، طرح الأميركيون ورقة رابحة على الطاولة العراقية، ومرروا جزرة مقبولة بين عصي الأزمات المتعددة، وتركوا للأتراك الإفصاح عن حاجة وجود القاذفات لمواجهة داعش، ولا يلام على تأخر الحسم إلا العراقيين، فهم من طلبوا التحرك صوب الموصل وهم من أعلنوا إطلاق العمليات، والعراقيون أنفسهم من لم يحققوا تطوراُ ناجزاً في نينوى شمال العراق، فباتت الحاجة ملحة لدور أوسع لكن السؤال الأبرز وفقاً لخبير أمني وعسكري بارز: هل تحتاج الحرب ضد داعش إشراك طائرات B52 الاستراتيجية الأميركية التي قيل إنها وصلت إلى قطر؟
كلا، فأهداف داعش نقطوية (مصطلح عسكري)، ويمكن معالجتها بصواريخ موجهة وطائرات هجوم أرضي، لكن يبدو أن الهدف أبعد من الحدود.
يغادر الرئيس أوباما المكتب البيضاوي، وقد عاد للعراق مثلما وعد بالخروج منه يوم ترشح للمرة الأولى للرئاسة، لأن العراق ملف لا يحكم إغلاقه ولا يمكن حسم قرار فيه من الخارج حتى النهاية، وسوريا في حسابات الغرب سبقت كثيرين في اقتراب جيشها وحلفائه من الحدود العراقية، وصار اللعب صعباً من الداخل العراقي، فكان الخيار الأنسب، عودة وإن شكلية لعلها تسمح بعودة أوسع وبعديد جنود أكبر ومناسبات يعد الشتاء بأنها كثيرة بعد ربيع سياسي ساخن.
اللعبة ليست صعبة، الذئب بريء والإخوة خانوا، وقد يتحول رافضو الوجود الأميركي على الأرض العراقية، إلى خونة رفضوا معونة تدفع البلاء عن اهليهم، وقد يتمنطق من يجد في العراق لوحده وطناً إن تأمّنت حدوده فهو آمن، فيدعو للاكتفاء بتحرير الأرض عندما تصل البندقية حتى حدود سوريا. هكذا يراد للعراقيين حكومة وشعباً وثقافة جديدة، لا هي وطنية ولا تليق بدعاة العروبة من الناصريين العراقيين، ولا حتى ضمن حسابات الاقليم وصراع المحاور ولعبة المصالح.
استبق الأميركيون وسرعوا إيفاد عسكريين إلى العراق، وسُرّب أن بغداد قد توافق على أن يكون للتحالف بقيادة واشنطن دورٌ اوسع عند الحدود العراقية السورية (605 كيلومتر) لحساسيات الداخل العراقي، وغليان الخارج المكشوف، لكن ثمة ما يؤرّق خاطر الجميع في بندقية لها حسابات أخرى هي بندقية عراقية، قد لا تصل الحدود السورية من الجانب العراقي، لكنها في سوريا تقترب من حدود العراق!
وطالما هي لعبة، قد لا يخجل البعض من استخدام أدواتها دون اعتبارات للبعض أو حرج من البعض الاخر، فإنها لعبة بلا قواعد، ومعمعة تشابكات حيث لا دور منفرد لواشنطن حتى النهاية. ببساطة كلما فُتح في هذه اللعبة فصل جديد واسُتُذكرت فيها ملفات قديمة، سيفتح طرف آخر فصلاً جديداً ويبدأ لعبة أوسع، طالما أن كلا الطرفين يدركان أنها أرض ملغومة.
المصدر: الميادين
[email protected]
أضف تعليق