من مؤتمر جنيف الى مؤتمر آخر، نقف لنستعرض مجددا ما آلت اليه المعارضات السورية ومدى انغماسها في خدمة أسيادها. في بداية الحراك في سوريا، والذي ما زال بعض الحالمين والمأزومين يطلقون عليها اسم "ثورة" زورا وبهتانا، صدقنا وصدق الكثيرون أن ما يجري في سوريا حركة اصلاح ومطالب بالتغيير نحو الأفضل، ومن العلامات الايجابية التي رأيناها لدى القيادة السورية تجاوبها مع صدق تلك المطالب، وطلبت القيادة بعض الوقت لتحقيق المطالب الاصلاحية مثل دمقرطة المجتمع واجراء انتخابات حرة وغيرها من الاصلاحات التي لا يمكن تنفيذها بالطبع بين ليلة وضحاها، ويبدو أن تجاوب النظام وعلى رأسه الرئيس بشار الأسد مع تلك المطالب، أسقط في أيدي المعارضين أو بالأصح من وقف على رأس المعارضة، لذا غيروا ورفعوا سقف مطالبهم الى عزل الرئيس، وبالطبع لم يكن بالامكان التجاوب مع كل ما يطلبه بعض المعارضين الذين لا يملكون مصداقية شعبية، ولم يعجب مترأسي المعارضة وقوف قطاعات كبيرة من الشعب السوري مع قيادته الشرعية، فأخذوا يستفزون النظام والقوى الشعبية والرأي العام بالهتاف "باعدام" الرئيس، فنصبوا أنفسهم حكاما وقضاة وجعلوا من ذواتهم النكرات ممثلين للشعب بدون انتخابات؟!
وتطرت الأمور بعدما استشعرت الدول الغربية هشاشة المعارضة وعدم تنظيمها، فلجأت الى استغلال تلك الحالة الهشة، وقدمت مساعداتها للمعارضة ورويدا رويدا سيطرت على المعارضة، التي سرعان ما تحولت الى معارضة عسكرية بعدما أغدق عليها السلاح من كل حدب وصوب وفتحت لها أنابيب الأموال، وتحولت المعارضة الى فرق وكتائب كل تتبع الجهة الممولة والراعية لها، فبدأنا نسمع بأسماء لم نعرفها من قبل، ونشاهد محاربين يهرولون من بلاد ودول مختلفة من الشرق والغرب، وباتت المعارضة معارضات لها مصالح تلتقي تارة وتختلف طورا، وأغرقت سوريا في صراع دموي رهيب وطويل جلب الدمار والخراب لسوريا على كل الأصعدة بشريا وحضاريا.
ولهذا ليس غريبا ما نراه اليوم من خلافات وانقسامات بين فرق المعارضة، لأن كل فريق يأخذ أوامره من أسياده الذين يأوونهم ويحمونهم ويمولونهم، ويعمل كل فريق لصالح أجندة الممول والراعي وليس لصالح بلده الأول سوريا وشعبه المعذب والشريد والمسجل على سجلات الموت.
تلجأ المعارضات السورية الى اتهام النظام بأنه قتل شعبه ودمر سوريا، كيف ذلك؟ هل لتلك المعارضات "الوطنية" وقلبها على المال الذي تتلقاه، أن تشرح لنا متى قام النظام بما يشيرون اليه؟ بالطبع لا يمكنهم الادعاء أن هذا وقع قبل عام 2011! فلو لم تظهر الفرق المسلحة فجأة ويتم ادخال المحاربين المأجورين الى سوريا لمحاربة النظام والجيش العربي السوري في بلده، هل كانت دمرت سوريا وقتل وشرد شعبها؟ من الذي أدى الى انهيار الأمن والاستقرار وتخريب الحياة داخل سوريا؟ ومن الذي جعل النظام يرتبك أخطاء مجبرا، حيث لجأ المحاربون الأغراب والمدعومون من عناصر داخلية، بالاحتماء والاختباء بين الأحياء الشعبية وداخل البيوت وبين الناس؟
واذا كانت المعارضات تود اثبات أن قلبها على الشعب وتتألم لما آلت اليه بلاد الشام وتود انهاء معاناة الشعب واعمار سوريا، فليس أبسط من أن تلجأ الى مبادرة تحرج النظام تتمثل في اعلان تملصهم من المسلحين المأجورين وفرق الموت والاعدام الميداني والوحوش الجديدة، ويعملوا على اخراجهم من سوريا كما أدخلوهم، وهذا ليس بالأمر المستحيل لأنه سبق للنظام أن صالح محاربين سوريين بعدما سلموا سلاحهم وعادوا ليكونوا مواطنين عاديين كما كانوا، فالنظام لن يتوانى عن مصالحة المعارضين في الخارج اذا أثبتوا للشعب أنهم فعلا وطنيون وعادوا الى الوطن، ليعملوا مع كل الأطراف وعلى رأسها النظام الشرعي لاعادة الثقة وبناء الوطن من جديد.
لكن هل يقوم بذلك من يعيش حياة رفاهية متنقلا بين أفخم الفنادق في العالم والخليج وتركيا، ويأكل أفضل الطعام وينعم بدفء حار وينعم بحياة الرفاهية، بينما الشعب السوري الذي "يحاربون من أجله" كما يدعون ويتكلمون باسمه ظلما وعدوانا واكراها، الشعب المشرد في المخيمات والذي يموت يوميا في عرض البحار، هل يمكن لأولئك المارقين والمأجورين أن يقوموا بمبادرة تكشف حقيقتهم وتسقط عنهم ورقة التوت؟!
[email protected]
أضف تعليق