..وتنزف ام الفحم مرّة اخرى وتبكي ضياعها..تذرف دموعها قلقة على مصيرها، واستمرار كينونتها، وتماسك نسيجها الاجتماعي الآخذ بالتفكك بسرعة يوماً بعد يوم.
ألذهول قد اصاب اهلها الّذِّين هرولو وخلدوا الى النوم مبكراً على غير العادة ، هاربين من الواقع المخزي، لعلّهم يعيشوا، ولو هنيهات في حلم جميل، ولكن، هذا الهروب مؤقتاً لان الواقع الشاحب والحزين يلازمهم، يرافقهم في كل حركة وفي كل رشفة قهوة .. واقع يختلط مع دخان سجائرهم المتطاير متوتراً، ولكنه لا يتلاشى كالعادة ، وانما يعود ليبقى صورة الواقع ألأليم امام اعينهم التي اعياها القلق اللا منقطع ..!!
جريمتا القتل التي وقعتا يوم امس الجمعة في ام الفحم، لم تكن الاولى في هذه المدينة فقد سبقتها عدة جرائم لا تقل تأثيراً في وحشيتها وبشاعتها، ومن منّا لا يتذكر حادثة القتل الثلاثي التي راح ضحيتها نائل شبلي وابنه سعيد وصديقهم سفيان جبارين.!! من لا يتذكر يد القتيل التي بُتِرّت والقيت في احد مساجد المدينة..! ومن لا يتذكر جريمة قتل عائلة هيكل الثلاثية حيث قتل الاب وولديه في يثٍ مباشر امام اعين بعض افراد العائلة..!!
وفي الحادثتين كانت الصفعة هائلة ومُدويّة وتأثيرها كان كبيراً ولكن لفترة وجيزة ، وتخرج ام الفحم من ذهولها لتنسى او تتناسى وتستمر بالحياة الاعتيادية ربما بإنتظار حادث القتل الآخر..
وبعد كل حادثة تأتِ ردود الفعل، ولكن الرد غالباً ما يكون رداً خجلاً، وربما بيانات شجب واستنكار، مظاهرة متواضعة امام محطة الشرطة، خطبة جمعة متواضعة، ولكن الاهم التنافس بإطلاق الاتهامات المزينة بالشعارات الرنانة ..!
نتهم كل الاطراف ونستثني انفسنا..
نتهم الشرطة.. نعم الشرطة هي عنوان رئيسي لتوجيه الاتهام لها ولكنها ليست العنوان.. الشرطة، ايها السادة، كما تقاعست في فك لغز الجرائم السابقة لن تسرع لحماية اولادنا واملاكنا، وكما قالت جداتنا "فخار ويكسر بعضه"..!
نتهم السلطة المحلية، (وهناك من يستغل هذه المآسي وللاسف لتصفية حسابات سياسية في هذا الظرف الحزين) .. نعم السلطة المحلية هي عنوان ولكنها ليست العنوان..
تعالوا لنواجه انفسنا ونعترف ان المتهم الاساسي هو نحن ونحن اولاً..
تعالوا لنعترف اننا فشلنا بتربية اولادنا اذ ان التربية الصحيحة هي الضمان الوحيد والثابت على بناء بيئة سليمة خالية من العنف. تعالوا لنعترف بأننا نعيش وفق القاعدة التي تقول "ان كانت بعيدة عن راسي بسيطة"، ولكن اخطبوط العنف سيصل كل واحد منّا شئنا ام ابينا ولو صدفة..
نعم نحن نعيش في فراغ قيادي وعن الزعامات الحالية فحدث بلا حرج.. زعامات بارعة باعتلاء المنصات توزيع الخطابات، التقاط الصور التذكارية وتوزيع الشعارات .. ! قلت زعامات وليس قيادات، لان هذه الزعامات تفتقر الى ادنى مقومات القيادة ومن وضعها بالواجهة هو الكرسي، المال والمنصب، ولا تملك قدرة على رأب صدعٍ ولو بسيط..
رحمة الله على قيادات ام الفحم والتي كانت تملك القدرة والقوة والوقار والحضور الدائم لاصلاح ذات البين و"تجبير المكسورة قبل ان تنكسر" ..قيادات كانت تبذل الغالي والرخيص ولا يهدأ لها بال ولا تخلد الى النوم حتى ترأب كل صدع وتجمع الاهل في مجلسٍ واحد..
كانوا قيادات حقيقية وحتى لو افتقروا للشهادات الجامعية، يهمهم مصير ام الفحم والحفاظ على وحدتها ومتانة نسيجها الاجتماعي..
كانوا يعملون بصدق وبشكل فعلي ويواجهون الواقع بجرأة وشهامة عربية اصيلة، ولا يعالجون قضايا ام الفحم عبر الغرف الافتراضية المغلقة في شبكات التواصل الاجتماعي..
ولكن حين ارى اشخاص يقتدى بتصرفاتهم وقت الشدّة كالحاج مصطفى عبد ابو شقرة اشعر بخير، وارى
ام الفحم ما زالت بخير وان الغد اجمل..!
[email protected]
أضف تعليق