يعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، أن ما أسماه "المصالحة" مع الاتحاد الأوروبي، دليل آخر على نجاح سياساته، بعدما أثير على نطاق واسع في إطار المعارضة الحزبية تحديداً، أن إسرائيل في ظل هذه السياسات، باتت محاصرة سياسياً واقتصادياً، خاصة بعد نجاح حركة المقاطعة الدولية (BDS) في استجابة العديد من الاستثمارات والشركات بسحب مراكزها من المستوطنات تحديدا، كشكل من أشكال العقوبات على دولة الاحتلال من قبل مؤسسات شعبية، من ناحية، وكذلك اثر الخطوات الأخيرة الذي اتخذها الاتحاد الأوروبي من وسم لمنتجات المستوطنات، الأمر الذي خلّف توتراً شديداً بين حكومة نتنياهو والاتحاد الأوروبي.

أما ما اعتبره نتنياهو نجاحاً باهراً لسياساته، فيتمحور حول نجاحه في لجم الاتحاد الأوروبي من اتخاذ خطوات عقابية إضافية كان قد هدد بها، في حال استمرار البناء في المستوطنات وإعاقة التوصل إلى حل الدولتين، ففي مكالمة هاتفية قبل أيام قليلة بين نتنياهو ومسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، عادت المياه إلى مجاريها، وظهر أن الاتحاد الأوروبي، كما لو أنه ندم على اتخاذ خطواته المشار إليها، وأنه عكف على استرضاء حكومة نتنياهو، الذي بدوره أعلن عن استمرار التواصل مع الاتحاد الأوروبي بعد "الصفاء" الذي حل بين الجانبين. وعلى هامش هذه المصالحة، فإن هذا الإنجاز المسجل باسم سياسة نتنياهو، يتخذ بعداً آخر، إذ أن هذا الاسترضاء وهذه المصالحة، تأتي في تزامن مع ما تخطط له ما تسمى باللجنة الرباعية لصياغة "تقرير بشأن الوضع على الأرض" في المناطق المحتلة، كما أفادت مؤخراً منسقة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، الأمر الذي يشي بأن عودة المياه إلى مجاريها بين الجانبين، إسرائيل والاتحاد الأوروبي، ربما سيترك آثاره على صياغة هذا التقرير، وحسب وسائل الإعلام الإسرائيلية، فإن المكالمة الهاتفية بين موغيريني ونتنياهو، تطرقت إلى هذا الموضوع، ما يوحي ضمناً، أن المصالحة بينهما أخذت بالاعتبار المتطلبات الإسرائيلية في صياغة التقرير المشار إليه.

الاتحاد الأوروبي، وكأنه يشعر بالندم على خطواته التمييزية ضد منتجات المستوطنات، شن حملة واسعة على الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل، بعد أن تم توجيه اتهامات من قبل بعض الساسة الإسرائيليين من أن الاتحاد الأوروبي يقف وراء هذه الحركة، أو على الأقل يدعم أنشطتها، ومرة أخرى يعرب الاتحاد الأوروبي عن استنكاره لهذا الاتهام، بل وأكثر من ذلك اعتبرها حركة لا تخدم "عملية السلام" جاء ذلك على لسان مبعوث الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل في كلمته أمام المؤتمر الذي نظمته صحيفة "يديعوت احرونوت" حول المقاطعة الدولية للدولة العبرية، السفير لارس فابورغ اندرسن، عندما أشار إلى أن حركة BDS مجرد حركة هامشية دون تأثير يذكر، وعلى الجميع الحرص على أن لا يتم تعزيزها وضمان عدم حصولها على المزيد من الإنجازات حتى لو كانت محدودة، مقدماً النصح لدولة الاحتلال، بعدم الاكتراث بهذه الحركة، ما يؤدي إلى تضخيمها، ومنحها منصة لا تزال تفتقد إليها!! أندرسن هذا، استبق كلمته في المؤتمر المشار إليه، بالإعراب عن رغبة الاتحاد الأوروبي في رؤية إسرائيل تزدهر، والاتحاد إذ يرفض تماماً جهود مقاطعتها، فإن الاتحاد الأوروبي يعتبر حركة المقاطعة ضد سياساته السلمية وسياستنا ـ يضيف ـ هي التعامل مع إسرائيل، ولا بد هنا من التذكير بأن حجم التجارة الثنائية بيننا وبين إسرائيل يصل إلى 30 مليار دولار وإلى حقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو الشريك الأول لإسرائيل، خاصة في مجالي العلوم والتكنولوجيا! لا غرو إذن، أن يعتبر نتنياهو، أن تراجع الاتحاد الأوروبي عن إغضاب إسرائيل والعمل على إرضائها، إنجاز سياسي هام، على الرغم من عدم تراجع الاتحاد عن خطواته الأخيرة، إلاّ أن هذا الإنجاز يتمثل في أن الاتحاد، لن يلجأ في المستقبل إلى اتخاذ خطوات عقابية ضد إسرائيل، وهي الخطوات التي سبق وأن هدد بها للضغط على الدولة العبرية حتى لا تواصل عملية التهويد والاستيطان في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس. ويستخدم نتنياهو هذا النجاح، لتأمين حكومته الهشة والرد على ادعاءات المعارضة المشككة بسياساته من ناحية، وبتأمين استمرار العملية الاستيطانية عالماً أن ردود الفعل ستظل في إطار الشجب والاستنكار، ولن تصل إلى مستوى التهديد بالعقوبات أو على الأقل عدم تنفيذ مثل هذه التهديدات.

وللتذكير فقط، فإن إسرائيل أخلّت باتفاقية الشراكة المعقودة بينها وبين الاتحاد الأوروبي عام 1995، والتي تم تجديدها أكثر من مرة، إذ إن هذه الاتفاقية تشير إلى التزام إسرائيل بالقانون الدولي، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان في المناطق المحتلة، أصوات عديدة داخل الاتحاد الأوروبي طالبت بإنهاء هذه الاتفاقية كون إسرائيل لم تلتزم بهذه المبادئ، إلاّ أن الاتحاد الأوروبي يتجاهل هذه النصوص، كونه لا يتجاهل مصالحه المرتبطة بالدولة العبرية!! - 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]