نحن أمام شخصية مختلفة، غير عادية، وفقاً لما عهدناه عن مرشحي الرئاسة الأميركية، ظلت صامدة أمام خسارتها المتلاحقة، متمسكة بانتصاراتها المحدودة في سياق انتخابات الولايات، شخصية اشتراكية، وربما يسارية بمقاييس الولايات المتحدة الأميركية، مرشح «نزيه» كما يطلق عليه أنصاره، وهي صفة افتقر إليها كافة المرشحين الآخرين، مرشح لا تعوزه الأموال للاستمرار في حملته الانتخابية من دون الاعتماد على مجموعات الضغط التي عاداها ولا يزال، ورغم أن هذا المرشح يكاد يكون مجهولاً من قبل العامة، إضافة إلى أنه يبلغ من العمر 74 عاماً، إلاّ أن شعبيته تزايدت باستمرار في أوساط الشباب تحديداً. إنه المرشح الديمقراطي بيرني ساندرز، الذي فاجأ الجميع، خاصة المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون التي ظلت مرشحة بالتزكية في بداية الحملة الانتخابية، وكانت المفاجأة عندما أعلن ساندرز عن ترشحه، فهو غير معروف تماماً، على عكس كلينتون التي باتت أشهر من أن يتم تجاهل شعبتيها، منذ فضيحة زوجها، حتى تسلمها وزارة الخارجية وجولاتها المتعددة في شتى أنحاء المعمورة، والمفاجأة أن هذا المرشح لم يكن يعرف كيف ستتم عملية تمويل حملته الانتخابية في مواجهة سيدة أميركا الأولى سابقاً التي ستجد أبواب التمويل مفتوحة بلا قيود لتمويل حملتها الانتخابية، في مواجهة اشتراكي نزيه وصاحب تاريخ حافل من المواجهات والمواقف الصلبة التي كثيراً ما تخرج عن «المألوف الأميركي».
ساندرز كان أحد القلائل الذين صوّتوا ضد التدخل في العراق في حين صوتت كلينتون مع هذا التدخل، وشعاراته التي رفعها أثناء عمله السياسي ظلت تتعارض مع شعبوية شعارات الآخرين على مستوى الوعي الأميركي السائد، ويعرف باعتباره عدواً علنياً لوول ستريت ومجموعات الضغط، وزواج رأس المال مع السياسة، ويقول بهذا الصدد «واحد بالمئة من الأميركيين الأكثر ثراءً يشترون الانتخابات ويفسدون الديمقراطية الأميركية»، كما أنه ضد النظام الانتخابي السائد. ما زال ساندرز دخيلاً على عالم السياسة، ويتهم من قبل كلينتون وأنصارها بأنه جاهل بالسياسة الخارجية، إلاّ أن برنامجه للسياسة الداخلية هو الذي منحه التعاطف والالتفاف الجماهيري، على صعيد موقفه من الضرائب ومن ساعات العمل للعمال، وتأييده للطبقة الوسطى التي تعتبر من وجهة نظره هي الأولى بالرعاية حتى لا تسقط إلى مستويات الفقر المتزايد.
لا يحرص هذا المرشح على أن يقول ما يعجب الناس من حوله، بما في ذلك مؤيدوه، أنه يقول ما يؤمن به فحسب، وكان المرشح الأبرز الذي لم يلوث لسانه بالافتراء على المرشحين الآخرين، ولم ينبش سجلهم العائلي والفضائحي كما فعل ويفعل معظم المرشحين، بل انه تغاضى عن الرد على سمومهم واتهاماتهم، باعتبار أن الأولى الاهتمام ببرنامجه الانتخابي، ومدى الوعي بقدرته على أن يضعه موضع التنفيذ. وبينما غريمه على الجانب الآخر في الحزب الجمهوري دونالد ترامب، ليس بحاجة إلى تمويل حملته باعتباره مليونيراً كبيراً، فإن ساندرز، أيضاً ليس بحاجة إلى تمويل مجموعات الضغط، كونه اعتمد علناً على تبرعات المواطنين، وهو يتباهى ويفتخر بأنه حصل على أعلى نسبة من هبات المواطنين لتمويل حملته الانتخابية على امتداد تاريخ الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فقد زادت على ثلاثة ملايين دولار قدمها أكثر من مليون مواطن، بما يعني أن كلاً منهم تبرع بحوالي 27 دولاراً، أي من أفراد متوسطي الحال وليس من مجموعات الضغط وشركات النفط والسلاح واحتكارات التجارة الدولية.
لا يجيد الخطابة، كما أن شَعره الأشعث الذي يتركه ساندرز على سجيته، عناصر تجعل منه خارج سياق ما يعرف عن المرشح الرئاسي، رغم ذلك، فاجأ ساندرز الجميع، أنصاره كما خصومه، في الحزب الديمقراطي كما في الحزب الجمهوري، أنه مرشح مختلف، يليق بالولايات المتحدة التي يجب أن تكون كما يراها ساندرز، بعيدة عن الحروب الدولية، والتدخلات الخارجية، وموقفه من الحرب على العراق، أكد صحة رؤيته، ما يشير إلى معرفة بالسياسة الخارجية، بخلاف الوزيرة للخارجية صاحبة التجربة الطويلة، التي تأكدت بعد فوات الأوان، أن التدخل الأميركي في العراق، أدى إلى كوارث، أحاطت بالولايات المتحدة، كما هو الحال في المنطقة كلها، فلا ربحت الولايات المتحدة ولا تم إنقاذ العراق. ساندرز، بصرف النظر عن فشله أو فوزه في ترشيحات الحزب الديمقراطي ظاهرة، تجاوزت المفاجأة بانتخاب رئيس أسود!! -
[email protected]
أضف تعليق