أربعون عاما مضت على يوم الأرض. لا أحد يقلل من أهمية ذكرى يوم الأرض وضرورة تحويل هذا اليوم إلى يوم نضالي من أجل حقوق الأقلية العربية في إسرائيل. لكن، موضوع الإضراب، يحتاج إلى وضع خاص مميز، بينما ما الاحظه منذ سنوات هي عملية مزايدة لا علاقة لها بالواقع والظروف السياسية وبجاهزية الجماهير للإضراب. أنا على ثقة ان أكثرية جماهيرنا ليست جاهزة نفسيا لإضراب سياسي في هذا الوقت بالذات.
هل عدنا، كما في كل سنة من السنوات الأخيرة إلى المزايدة السياسية الجوفاء؟ هل يظن رئيس لجنة المتابعة ان إعلان إضراب لا يحتاج إلى تحضير الشارع ورفع الجاهزية السياسية للجماهير؟ إلى توعية بظروف خاصة تقود إلى إضراب عام ؟

هل هي لعبة لتحقيق مكاسب شخصية تخدم شخصا أو أشخاص محددين حتى على حساب إلحاق الضرر بواقع الجماهير العربية عبر إعلان إضراب لا ضرورة له، لأن الأرضية الجماهيرية غير جاهزة لمثل هذه المعركة وسيكون إضرابا هزيلا خجولا يضر أكثر مما يفيد.

أمامنا مهمة لا تقلق قادة هذه الجماهير، أصلا قيادتهم هي اكبر ضرر للجماهير العربية في إسرائيل. كتبت مرة واكرر ذلك اليوم: إذا لم نبن مجتمعنا قوياً، مثقفاً، عقلانياً، متنوراً، أخلاقياً، مليئاً بالجماليات، ثري بالفكر الإنساني، بالاستعداد للتعاضد والتكامل الاجتماعي، بجاهزية كاملة للتجند وراء مطالبه الحيوية، ولا أستثني السياسة من هذه المطالب، ستبقى كل ممارساتنا الثقافية والسياسية تعاني من قصور في الرؤية، من العجز في فهم دور الثقافة الاجتماعي والحضاري، وكيفية توجيه ودعم وتطوير حياتنا الثقافية وبناء نهجنا السياسي ، تطوير خطابنا السياسي العقلاني ، وهو الخطاب القوى والأكثر تأثيرا.. ولكنه الغائب الكبير من ثرثرتنا السياسية!!
هل تكرم معلني الإضراب بجس نبض الشارع ومدى استعداده لإضراب سياسي؟ هل من شعارات مميزة لإعلان إضراب من هذا النوع، أم باتت قرارات الهيئات القيادية مجرد نوايا ضررها كبير وعظيم لأنها تنطلق من نوايا انتهازية شخصانية لا قاعدة فكرية أو سياسية واضحة لها.
من المهم معرفة مدى جاهزية الجماهير لتنفيذ إضراب تحت شعارات واضحة محددة.. وليس إضرابا خجولا مترددا بلا قناعة من المضربين. أرى أن القرار اتخذ في الغرف المغلقة ولا يمثل الروح السائدة في الشارع اليوم.

لا تنقصنا المطالب، ولا الشعارات ولا الغضب على سياسة السلطةالعنصرية. لكن هل هذا لوحده يشكل معياراً صحيحاً لطرح موضوع تنفيذ إضراب؟!

سبق وأن كتبت حول نفس الموضوع في السنة الماضية وما قبلها وها أنا اكرر موقفي. قرار الإضراب يحتاج إلى جو سياسي نضالي لا أراه قائما، لا أرى أن القيادات العربية، أعدت جماهيرها لمعركة سياسية، تتصاعد حتى الوصول إلى تنفيذ إضراب، بحيث يكون له رد فعل سياسي في الدولة كلها، وليس مجرد إضراب تلبية لمواقف فئات اشك بصلاحيتها لقيادة نضال جماهيرنا العربية.

ان أخطر ما في القرارات الفوقية، عدم الحذر بأن لا يتحول الإضراب إلى مجرد كليشيه في صدر صفحة إعلانات. يؤسفني ان هذا شعوري من قرار الإضراب في 30 آذار هذا العام.

لا أجد الشارع جاهزا ، وإذا نفذ ، كما في السنوات الماضية، فهو نصف إضراب أو ما دون ذلك، نصف التزام ما ان تدق الساعة الحادية عشرة حتى تفتح جميع المحال، عدا الكثير من المحلات التي لن تغلق أبوابها وأكثرية العمال يتوجهون إلى أعمالهم. ليس لأنهم فقدوا حسهم الوطني، بل لأن الإضراب تقرر بشكل عشوائي صبياني لا قاعدة سياسية إعلامية لتجنيد الجماهير وراء هدف معلن وقادر على تثوير الجماهير. قيادات لا تملك أي فكر سياسي واضح، بل خليط من المواقف المتناقضة، ليست مؤهلة لقيادة مجتمعنا. 

الإضراب هو سلاح إستراتيجي، يجب عدم التفريط بأهميته. عندما يُقرر الإضراب يجب أن يكون الشارع العربي جاهزاً ليهز أركان السلطة في الدولة كلها. بينما هذا الإضراب ، بهذا الأسلوب وهذه العشوائية، لا يؤثر إلا على المجتمع العربي وبالتأكيد يلحق به الضرر السياسي والوجودي.
أن لجنة المتابعة العربية غائبة عن الجماهير، تذكرنا الآن بنفسها.. مثل عارضة فورنو... ويبدو ان الضرورة لوجودها تتقلص وتذوى نتيجة تحولها إلى لجنة منفعية تخدم شخصيات ولا تخدم قضايا مجتمعية ملحة.
لا استهتر بأهمية لجنة متابعة. السؤال كيف تتحول إلى لجنة تقود وتوجه مجمل النضال الوطني للعرب في إسرائيل، عبر رؤية سياسية إستراتيجية وليس مجرد نزوات وقرارات فوقية!!

ما اطرحه ليس جديدا، لكنه بات ملحا في السنوات الأخيرة مع تنامي الفاشية في إسرائيل.. خاصة ظاهرة قانون الإقصاء العنصري.
لجنة المتابعة لم تقم من أجل يوم الأرض فقط، قضايا المجتمع العربي في إسرائيل كثيرة وملحة جداً، وفي مجالات حيوية تحتاج إلى ملاحقة يومية، وليس إلى لجنة "حاضرة اسما وغائبة فعلا".

ما أراه أن لجنة المتابعة باتت لجنة تشريفات أكثر مما هي لجنة لتوجيه النضال، وطرح الأهداف السياسية وملاحقتها، والإعداد لمواجهة العنصرية المتفشية في مؤسسات السلطة، وفضح التشريعات العنصرية على مستوى الدولة والمستوى الدولي، وخوض معركة شعبية وبرلمانية وقانونية متواصلة لفضح الممارسات والتشريعات العنصرية المعادية للأقلية العربية.

هل سيقنعونني الآن بأن الدعوة للإضراب، ستلقى حماساً جماهيرياً، وكأنها المطر بعد الانقطاع الطويل؟!

سيكون الإضراب بلا معنى وبلا فائدة ( حتى لو نجح جزئيا) وأشبه بنزهة في الطبيعة. لست ضد الإضراب، لكني ضد قرارات لا قعر لها، ضد قرارات لا يجري تجهيز جماهيري مسبق لتنفيذها لجعلها معلما بارزا في مواجهتنا للسلطة العنصرية!!


المقالات التي تنشر في "بـُكرا"، تعبر عن رأي كاتبها، وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي التحرير.


استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]