عادت القيادة الإسرائيلية للاستعانة بقاموس الشتائم والاتهامات والإدانات لتواجه القرارات الصادرة مؤخراً عن مجلس حقوق الإنسان، قرارات أربعة أربكت هذه القيادة التي لم توفر شتيمة أو مفردة للهجوم على مجلس حقوق الإنسان، أقلها أنه مجرد سيرك مروراً باعتباره معادياً للسامية، وليس ختاماً، متجاهلاً «للإرهاب الفلسطيني».

إن نجاح الدبلوماسية الفلسطينية بتحقيق هذا الإنجاز الهام، من خلال التصويت من قبل المجلس على أربعة مشاريع قرارات، وتأييد المجلس وإقراره لها، يجب أن يعتبر علامة على أن هناك إمكانية لتحقيق خطوات جدية على صعيد المواجهة مع الاحتلال، على الحلبة الدولية، وهذا دليل آخر، على أن التحالف الأميركي ـ الإسرائيلي ليس قدراً لا يمكن مواجهته، خاصة وأن واشنطن استخدمت كافة الوسائل للضغط على القيادة الفلسطينية من أجل التراجع عن صياغات محددة في مشاريع القرارات، خاصة الفقرة 117 حول القائمة السوداء للشركات العاملة في مستوطنات الضفة المحتلة، قد باءت بالفشل الذريع، هددت واشنطن بوقف المساعدات المالية للسلطة، كما ضغطت على الدول الأوروبية لكي تصوت ضد القرارات الأربعة، في حال تمسك الجانب الفلسطيني بمشاريع القرارات كما كانت عليه، إلاّ أن كل ذلك لم يدفع القيادة الفلسطينية للاستجابة لهذه الضغوط، ونجحت في نهاية الأمر، في الخروج على المجلس بأربعة قرارات هامة للغاية، على صعيد العمل الدبلوماسي، الأمر الذي يوفر المزيد من الحصار السياسي، ومن قبل الرأي العام الدولي، لدولة الاحتلال.

ضغوط واشنطن على الدول الأوروبية، أدت إلى امتناع هذه الدول عن التصويت لصالح قرار القائمة السوداء، إلاّ أن هذه الدول تراجعت عن تهديدها بالتصويت ضد هذه القرارات، واكتفت بالامتناع عن التصويت، الأمر الذي أدى إلى أن أحداً لم يصوت ضد هذا القرار، والقرارات الثلاثة الأخرى. واثناء النقاش، قبل التصويت، ظهر تناقض واضح في كيفية فهم مندوبي الدول الأوروبية، للاستيطان، الذي اعتبر مجدداً غير شرعي، وعقبة أمام السلام من ناحية، وضد اتخاذ خطوات جدية للحيلولة دون مواصلة الاحتلال بالتوسع في بناء المستوطنات، بحجة أن هناك وسائل أخرى للحد من الاستيطان من دون أن يذكر السفير الهولندي الذي تحدث باسم دول الاتحاد الأوروبي، ما هي هذه الوسائل، على العكس من ذلك فقد أبدى سفير سويسرا تحفظه على «القائمة» إلاّ أنه صوت لصالح القرار في نهاية الأمر.

ولا شك أن القرار المتعلق بالقائمة السوداء، يتمتع بأهمية بالغة، غير أنه لا يجب التقليل من أهمية القرارات الثلاثة الأخرى، كقرار ضمان المساءلة والعدالة لجميع انتهاكات القانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، وقرار الترحيب بتقرير تقصي الحقائق بشأن «النزاع» في غزة عام 2014، داعياً كافة لجان الأمم المتحدة لمتابعة توصيات التقرير، وقرار تقديم جميع المسؤولين عن انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى المحاكمة من خلال العدالة الوطنية أو الدولية الجنائية أو آليات مستقلة يتم إنشاؤها لهذا الغرض، وإنصاف الضحايا بما في ذلك تعويضهم.

وبينما أعلنت القيادة الإسرائيلية حربها الجديدة على مجلس حقوق الإنسان، فإن أحزاب المعارضة الإسرائيلية، اعتبرت الإنجاز الفلسطيني فشلاً لسياسة حكومة نتنياهو، فبينما دعا ليبرمان إلى انسحاب إسرائيل من مجلس حقوق الإنسان، فإن وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني شنت هجوماً غير مسبوق على حكومة نتنياهو، مشيرة إلى أن مجلس حقوق الإنسان له تاريخ طويل بإدانة إسرائيل، وهو أمر غير مفاجئ، إلاّ أن ما هو مفاجئ ـ حسب ليفني ـ أن الدول الأقرب إلى إسرائيل لم تعارض القرار بشأن القائمة السوداء، والأخطر ـ تضيف ليفني، أن المجلس اعتبر القدس ـ عاصمة إسرائيل الأبدية ـ مجرد مستوطنة، وهذا يعتبر انهياراً سياسياً بالغ الخطورة!

ولم تكتف ليفني بذلك، بل قارنت بين الأداء السياسي الفلسطيني، وأداء حكومة نتنياهو، فالساحة الدولية على الصعيد الدبلوماسي، متروكة للفلسطينيين لكي يلعبوا بها كيفما أرادوا، ولم نخرج نحن الإسرائيليين للهجوم وتركنا مرمانا مكشوفاً.. وما يبدأ بالمستوطنات سينتهي بإسرائيل كدولة!!

ومع تسجيلنا لهذا الإنجاز الهام، فإن ذلك يتطلب أولاً وقبل كل شيء متابعة هذه القرارات، على صعيد الدبلوماسية الدولية، دون إغفال للدبلوماسية الشعبية، إذ أن الأمر يتطلب دعوة الرأي العام الدولي، لتوفير المناخ الملائم لكي تتخذ هذه القرارات دورها في الحصار الدبلوماسي والشعبي على الصعيد الدولي للاحتلال وأدواته وحروبه، وهذه قد تكون بداية لها ما لها إذا ما أحسنا تحويل القرارات إلى أدوات!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]