أدخلت الخطوة الروسية الأخيرة التي أعلن عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مساء الاثنين الماضي بسحب القوات العسكرية الثقيلة من سوريا، والابقاء على قوات كافية وقاعدتين عسكريتين، أدخلت العالم بأجمعه في دوامة من التكهنات والتقولات والتحليلات، وكلها جاءت سريعة ومتسرعة وأظهرت أصحابها وهم في حالة دوران نتيجة صفعة قوية لم يتخلصوا من تأثيرها، ولو أنهم ترووا وانتظروا قليلا، ربما خرجوا من هول الصفعة واستعادوا توازنهم الفكري، وما أصابهم ذاك الارتباك والحيرة.

وكما احتار العالم قبل نصف عام تقريبا، باعلان روسيا التدخل العسكري المباشر في سوريا لضرب الارهاب التكفيري والوحشي المتفشي فيها، هكذا نراه اليوم في أعقاب اعلان الانسحاب الجزئي. وأثبت بوتين أنه بات اللاعب المركزي على الصعيد الدولي، بكلمة منه يجعل العالم يقف على رجليه وباشارة منه يجعله يجلس مرتاحا.

سارعت بعض العناصر وخاصة من صفوف "المعارضة" السورية الى اعلان الفرح والسعادة بالخطوة الروسية، وتمنت أو توهمت أن روسيا تخلت عن حليفها الرئيس بشار الأسد واتجهت لعقد صفقة مع الولايات المتحدة تقضي بايجاد حل سلمي للأزمة السورية. لكن لخمة تلك العناصر جعلها لا ترى أو تتجاهل القرار الروسي برمته ورأت جزءا منه، فروسيا لم تنسحب كليا من سوريا، كما أن خطوتها جاءت بالتنسيق مع الرئيس السوري الأسد والقيادة السورية، كما أكد الطرفان الرروسي والسوري، والتأكيد على مواصلة محاربة العصابات الارهابية داخل سوريا.

من المؤسف أن بعض المتابعين في معرض تحليلهم باتوا يضعون روسيا وأمريكا في كفة واحدة، بل أن البعض ذهب الى حد اعتبار التدخل الروسي على أنه "احتلال" لسوريا، هكذا دون أن ترتجف يده وهي تضغط على أزرار الطابعة الألكترونية. فهل سقطت الحدود وغاصت الرؤية في غبار الأحقاد، وسوء التحليل في ظل الضباب السياسي الذي يغطي فضاءنا. لماذا هذا التسرع والانهراق نحو مساندة معارضة، هي في الواقع معارضات وفرق مشتتة، لها ولاءات خارجية، وتابعة لقوى خارجية مشبوهة ومعادية لشعوبنا وبلادنا؟

واذا رأى أولئك أن الروس "يحتلون" سوريا أحيلهم الى أحد أقطاب المعارضة السورية وهو ميشيل كيلو، الذي دهشت عندما سمعته يعقب على القرار الروسي في اذاعة "الشمس" ويعلن جهارة أن المعارضة عرضت على روسيا ابرام اتفاق معها يبقي على القواعد الروسية في روسيا وأن تقوم روسيا باعادة بناء الجيش السوري وأن يبقى التواجد الروسي في سوريا، طبعا اذا ما استطاعات المعارضة الانتقال الى الحكم في سوريا كما يتوهمون! فما رأي مؤيدي المعارضة المندفعين بالتهجم على روسيا ونعتها بالمستعمرة؟ (هكذا بسهولة انقلبت المعايير لدى البعض!) وهل يحق للمعارضة السورية ما لا يحق للرئيس السوري ونظامه؟ واذا تواجدت قواعد وقوات عسكرية اليوم في سوريا تكون احتلالا، أما اذا تواجدت برغبة المعارضة (التي تطمح للسلطة) تكون دعما ومساندة مشروعة؟

ان من ينظر للأمور بترو ويراجع القرار الروسي الذي أعلنه بوتين، لا يمكنه أن يقع في تحليلات متسرعة وخائبة، ومن يراجع المواقف الروسية طوال سنوات الأزمة يوقن على أن روسيا على مواقفها الثابتة من الأزمة السورية، حيث سبق وأن أطلقت شائعات وسربت أخبار مغلوطة عمدا، عن تغيير في مواقف روسيا وتخليها عن الرئيس الأسد، وثبت دائما أنها كانت فقاعات اعلامية مشبوهة هدفت زرع الشكوك والأوهام، كانت تظهر عارية غداة اطلاقها. لذا نقولها بهدوء واطمئنان، حططوا عن بغلتكم، روسيا باقية على مواقفها وعلى مساندتها للنظام السوري بقيادة الرئيس بشار الأسد. أما ما نراه من تحركات وخطوات روسية تربك الخصوم، انما تأتي لتصحح مسارات سياسية كادت أن تنحرف، ولتثبت أنها ما زالت الطرف الأكثر تأثيرا في سبيل حل الأزمة السورية.

(شفاعمرو- الجليل) 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]