بعد خمسة أعوام من الأزمة السورية، وقرابة ستة أشهر من الدور العسكري ـ الأمني الروسي المكثف والمحارب في سورية، ويوم واحد على مؤتمر جنيف الخاص بسورية، يأتي القرار الروسي بالانسحاب العسكري من الأراضي والأجواء السورية مفاجأة وضعت كافة الأطراف المعنية بالأزمة في موقف المتسائل وبدون إجابات واضحة، وعلى الرغم من ورود إشارات إلى أن روسيا أبلغت الأميركيين والسوريين والإيرانيين بهذا القرار، إلا أنه ليس هناك من يدعم هذه الإشارات، إلا من حيث إبلاغ هذه الأطراف بوقت قصير عن هذا الانسحاب، لاعتبارات تتعلق بتأمين الانسحاب، وليس إشعاراً في ظل توافقات مع هذه الأطراف، واذا كان من المبكر تقييم وتحليل هذه الخطوة قبل توفر إشارات وتوضيحات إضافية، إلاّ أن هناك ما يمكن قوله حول بعض أسباب هذا القرار الروسي المفاجئ!! لعل الجهة الأكثر تأثراً بقرار الانسحاب الروسي، هي النظام السوري، وهذا ما يجعل أي تحليل يذهب إلى توثيق ومتابعة بعض الإشارات التي مهدت للقرار الروسي المفاجئ، من خلال بعض الإشارات السابقة والحالية التي من شأنها توفير إجابة أولية حول محاولة دمشق أن تلعب دور «القرار المستقل» عن روسيا في العديد من المواقف التي ترافقت مع الجهدين الأمني والسياسي للوجود العسكري الروسي المركز على الساحة السورية.
في مقال لي في 22/2/2016 تناولت بعض الإشارات حول خلافات روسية ـ سورية حول إعلان دمشق عن انتخابات تشريعية ورئاسية اعتبرتها موسكو غير مجدية في ظل الوضع الراهن، كما أشرت إلى وجود توافقات روسية أميركية حول كيفية التعامل مع الأزمة السورية والسعي المشترك من أجل توفير حل سياسي للأزمة، وذلك قد يكون على حساب التفاهمات الروسية ـ السورية التي مهدت الطريق أمام الدور العسكري الروسي البارز والمؤثر على الساحة السورية..
وأعتقد أن القرار الروسي، ليس بعيداً عن هذين المؤشرين، خاصة وأن هناك مؤشرات إضافية لاحقة باتت تعزز تأثير هذه الإشارات على القرار الروسي. لقد جاء الإعلان السوري عن انتخابات برلمانية ورئاسية، في ذات اليوم الذي تم فيه الإعلان عن الهدنة، وكما أشرنا فإن موسكو لم تكن موافقة على هذا الإعلان، خاصة في هذا التزامن مع الهدنة، بينما رأت دمشق في الاتفاق حول الهدنة بينما يتقدم الجيش السوري بشكل متسارع في ريف اللاذقية وشمال وشرق حلب والسيطرة أكثر على طرق إمداد قوى الإرهاب بالأسلحة والعتاد، خاصة من تركيا، كل ذلك، رأت فيه دمشق سبباً لإرجاء الهدنة لحين إلحاق هزيمة واضحة بهذه القوى، وان الهدنة من شأنها إعادة تنظيم صفوف قوى الإرهاب ومنحها فسحة من الوقت لكي تعيد انتشار قواتها بما يمكنها من تحسين شروط مشاركتها في مؤتمر جنيف القادم، في ذلك الوقت.
وإذا كانت هذه الخلافات ظلت حبيسة الملفات السرية بين الجانبين، فإن تصريح المندوب الروسي الدائم في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين منتصف شباط الماضي لوسائل الإعلام الروسية، تعليقاً على تصريحات الرئيس الأسد، كانت، أيضاً، مفاجئة للغاية، وكان الأسد قد صرح أمام نقابة المحامين بأن «سورية لن تقف في منتصف الطريق في حين تلوح بشائر النصر»، تشوركين اعتبر هذا التصريح خارج السياق!! في الآونة الأخيرة، لوحظ أن هناك أكثر من موعد لانطلاق مفاوضات جنيف حول سورية، كما لوحظ أن ذلك يعود إلى اشتراطات تشير إلى أن الجانب السوري غير متحمس لعقد هذه المفاوضات، وحديث وزير الخارجية السوري وليد المعلم عن «خطوط حمر» يبدو أنه يتعارض مع الرؤية الروسية لطبيعة الحل السياسي، خاصة فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية ومستقبل الرئيس الأسد، خاصة أن هناك حديثاً حول ترشيحه من عدمه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
صحيح أن هناك تصريحات روسية واضحة من أن الأمر يتعلق بالشعب السوري وإرادته، غير أن هذه التصريحات رغم وضوحها، افتقدت إلى صياغات متشددة مقنعة، الأمر الذي أوحى للمراقبين، من أن موسكو لم تعد متمسكة تماماً بهذا الموقف. وإحدى نقاط الخلاف، كما يبدو هو الموقف من مشاركة القوى الكردية في مفاوضات جنيف، النظام يريد ويشترط مشاركة هذه القوى، روسيا دعت إلى هذه المشاركة من دون أن تشترط ذلك، ولم تحاول فرض ذلك على الرغم من أن بإمكانها ان تقوم بما هو أكثر لفرض المشاركة الكردية في هذه المباحثات. دخول روسيا إلى ساحة المواجهة المباشرة مع قوى الإرهاب على الساحة السورية شكل خارطة سياسية ـ أمنية جديدة على الساحة السورية وجوارها وتحالفات عديدة في المنطقة، كذلك هو انسحابها، فإن هذه الخريطة ستصبح أكثر استجابة لمتغيرات عديدة، ولكن تحت سيطرة مباشرة من التحالف الروسي ـ الأميركي!! -
[email protected]
أضف تعليق