أمام المشهد الفلسطيني بكافة مكوناته المرئية وغير المرئية التي تعصف بعقولنا أينما تواجدنا، يبدأ العقل بطرح العديد من الأسئلة بين الفرد وذاته؛ هذه الأسئلة المختزنة في عقولنا حتى الآن لم تولد على الطاولة لتفكيكها وتشريحها كمحاولة لفهم أسئلة أخرى يجب أن نجيب عنها أكثر شمولية. وما يحدث هو أننا نختبئ خلف مجريات الواقع وتسارعه من جهة وخلف الأسئلة التي نعرف أو ندعي المعرفة بقدرتنا على الإجابة عنها من جهة أخرى.
والأخطر من عدم طرح هذه الأسئلة محاولة عدد لا بأس به من تمرير بأننا علينا التعامل مع ما هو موجود دون التفكير من خلال طرح الاسئلة بكيفية التعامل مع هذا الواقع، بمعنى علينا التعامل مع الوجود الفلسطيني كما هو موجود، وأن التفكير خارج هذا الحيز ـ الإطار ـ للصورة الفلسطينية هو العدم؛ لا أطرح أحجية بحاجة الى جواب بقدر تفكيري ما أستشعره بحواسي، لذلك علينا نحن كأجيال شابة أن نفكر وأولى خطوات التفكير هي طرح الأسئلة التي بدأ عدد من القيادات يعتبر أنها محرمة ومقدسة يمنع التفكير بها والمساس بها مساس بالتاريخ الوطني والنضالي للشعب الذي بدأ يدخل حالة من الكفر بكل ما هو مقدس.
لهذا نحن غير قادرين على إدراك ما هو موجود وغير موجود دون الإجابات المجردة، وأخطر ما في الموضوع بأن من يجب أن يسأل سواء فرد أو مؤسسة أصبحت جزءا من رفضها لطرح الأسئلة للحفاظ على ذاتهم ودخولهم الدائرة المقدسة للحفاظ على كينونتهم. وبذلك يلتقي الجدل الصاعد بالجدل الهابط دون إجابات لسبب الحفاظ على الذات وتمرير الوقت لمكاسب خاصة، لهذا أصبحنا قادرين فقط على مشاهدة الحقائق البديهية المطبوعة في عقولنا دون فهم المستجدات وصيرورة ما يحدث حولنا ورفضنا التعامل مع المستجدات المتغيرة، وأصبح الكل يفتش عن كرسي لمؤخرته من خلال الشعارات المقدسة.
في العصور الماضية كان هناك من يسأل الأسئلة المتمردة والخارجة عن الوعي أو العقل البشري مثل فيتاغورس.. أفلاطون.. ماركس.. ماو.. ابن رشد .. ابن خلدون... وتم مواجهة الأوهام بالعقل من خلال العقل النقدي. لهذا علينا مواجهة الاهتراء في مختلف جوانب الحياة الفلسطينية دون الهروب الى الأوهام المزروعة بداخلنا وكأنها نص ديني مقدس، أصبحنا سجناء بداخله دون المقدرة على التفكير، لأننا رضينا أن نكون أصناما نخشى استخدام العقل، للأسف أصبحنا كمجتمع ندفع فاتورة تقديس الإجابات الجاهزة كالوجبات السريعة نأكلها بتلذذ رغم ارتفاع ثمن الفاتورة من الدموع والآلام والدماء اليومية وحالة التشرد، ليس فقط جغرافياً وإنما على الصعيد العقلي. فأصبح من يرفض السؤال هو الحق ومن يريد ان يسأل هو الباطل، من يمنع التفكير بالسؤال هو الوطني ومن يحاول الإجابة هو الخائن.
ليس فقط ذلك، وإنما قاموا بمحاولة تخدير كل عقل يحاول أن يفكر من خلال من يتمسحون بالدين، وبشراء المثقف لغسل الأدمغة ليزيدوا الطين بلة عليهم، لينعكس السحر على الساحر من خلال ازدياد الشارع الفلسطيني احتقاناً بطرح الأسئلة، كونه الضمير الحي والمعبر عن واقع المجتمع الرافض للظلم والاستبداد والفساد، كفانا فذلكة وتبريراً للواقع، لا خلاص لنا دون تفكيك المقدسات السياسية والإجابة عن الأسئلة المحرمة، لا تسألوني: ما هي تلك الأسئلة؛ لأنها ستوقعني في شباك المعصية عند البعض، أمّا الإجابة عليها فستضعني بدائرة الاتهامات.
[email protected]
أضف تعليق