قديما عندما كان ينغلق عقل أحدهم كانوا يقولون عنه "معميات بصارو"، وهذا الوصف يطرق الباب هذه الأيام ليقول إن مرحلتنا السياسية الداخلية عنوانها عناد الحاكم وغياب حكمته، فالمعلمون منذ أسابيع انفجروا ولا يكلف الحكم في البلد نفسه اتجاهم إلا الزجر والعناد وعدم الاعتراف والصلف أحيانا.
وفي الحقيقة أن أكثر من أربعة قضايا حدثت في الفترة الأخيرة لم أشعر فيها بحكم فلسطيني رشيد وواسع الصدر والقلب، أولى هذه القضايا كانت توصيل ملف الخلاف بين زميل صحفي وموظفة حكومية إلى بوابة السجن، وكان بالإمكان آنذاك حل الإشكال دون الوصول إلى كل هذه الصور السلبية. وغابت حكمة الحاكم وبقيت له في البال صورة المدير المنفعل والمنغلق.
وفي إشكال أخر أغرب من قصص "آرسين لوبين" في أدب القرن الماضي، لاحقت النيابة العامة النائب في التشريعي نجاة أبو بكر إلى أن اضطرت عضوة البرلمان إلى قضاء ليلتها داخل مبني البرلمان العامر في رام الله، لتتلافى الاعتقال.
مرت القصة على البلد مثل حلقة مسلسل تركي تفرج الناس عليها وانتهت، علماً أنها هدرت قيماً في الحياة السياسية ووضعت فلسطين إلى جانب الأشقاء في مقديشو في إدارة الحكم.
ومع المعلمين استوردنا الحل الأمني مع الجمهور الأعزل، استوردناه إلا بضع دقائق، وكان بالإمكان ان يكون لدينا ما حدث مع اتحاد الشغل في تونس أو مع أطفال درعا في سوريا.
وقد يقول قائل إن إدارة الدولة ليست إدارة أمسية أدبية، وأن الحزم واجب، قد يكون ذلك صحيحا لكنه لا يصلح في مرحلة نظهر فيها في منتهى النعومة خارجياً مع المحتلين ومع المجتمع الدولي، وفجأة تنبت لنا أنياب داخليا.
مرعبة الفبركات الأمنية التي صورت المعلمين على أنهم جيش انقلاب، وكان مؤلماً رؤية تمرير ما أسموه مخططات الفتنة التي يقودها أساتذة التربية الوطنية والعربي والدين.
الجمال والحمير هي ما كان ينقصنا كي نهجم على المعلمين في أم الشرايط آخذين ما في جعبة حقبة مبارك من مزايا ومهارات في سحق الجمهور.
إذا ظل للعقل والحكمة حيزاً في البلد، فالأمر يقتضي أن يدعو الرئيس ورئيس الوزراء المعلمين وممثلين عنهم من كل المحافظات ويجتمعوا بهم في جلسة مفتوحة، دون أن يلقوا عليهم الخطابات بل أن يسمعوا منهم ويسمحوا لهم بتشكيل إطار تحضيري لإعادة انتخاب قيادة جديدة للاتحاد العام للمعلمين تتولى متابعة تنفيذ ما أقرت به الحكومة من حقوق وما تبقى من مطالب لم تتحقق.
الحل سياسي أكثر من أي شيء آخر، والاعتراف بخطأ تاريخي ارتكب بحق المعلمين في رواتبهم ودرجاتهم الوظيفية خطوة ضرورية في الطريق إلى إصلاحات سياسية ستساعد في فك أزمات كثيرة أصابت الإدارة العامة.
ومصالحة هؤلاء البنائين الكبار حتما ستشير إلى نسيج متاعفي من خيبات سياسية كثيرة تسكن البلد منذ عقد من الزمان.
الم تسمعونهم يقولون إنها معركة كرامة، كرامة يعني أن المضربين تعز عليهم مكانتهم في المجتمع أكثر مما تعز عليهم جيوبهم على أهمية أن يجدوا في محافظهم ما يلبي حاجتهم وحاجة أسرهم.
أعيدوا للناس كرامتهم بكل الطرق الممكنة ودعوكم من "مستر هارد كوبي" الذي تحاولون تمثيل دوره ولبس أقنعته بكل عباطة وانغلاق.
[email protected]
أضف تعليق