بعد أيام قلائل ترسب الغبار في ساحة المعركة المدرسية في مدينة باقة، هناك تم الاعتداء باسم الإسلام على المعلم علي مواسي من قبل احد رجالات الدين غاضبا ساخطا مستنفرا عرض فيلم (عمر) أمام طلاب المدرسة ذكورا وإناث ، معلمين ومعلمات ، وانقسم الشارع بين مشجع ومستنكر ، مصدوم ومهموم ، أثارت القضية الرأي العالم في المجتمع الفلسطيني في الداخل. وما ان انتقلت المعركة الى الحيز الافتراضي وإذ برسائل الدعم والشجب من كل حدب وصوب تعتلي صفحات الفيسبوك ، تهافتت الأقطاب السياسية والاجتماعية على القرية المدنية او المدينة القروية المسماة باقة الغربية. وسعى العرب ان يصلحوا ذات البين لينقذوا المدينة من الهاوية الطائفية ويحافظوا على لُحمة شعبنا كما يقال .

قرأت وأمعنت في التعليقات والبيانات والأخبار والتحليلات بين "شوية زعران" ولا يتحدثون باسم الإسلام من جهة و"ما فُض فوك شيخنا الجليل ".من جهة اخرى. وتحول الموضوع للخلاف بين الدين والعلمانية بين التخلف والرجعية والتقدم والحرية ، بين حق الإبداع وإسماع الصوت لواجب المحافظة على الأخلاق والثوابت الدينية .

كان ذاك مشهدا جميلاٌ من مشاهد الشعب الفلسطيني بنظري ، فرغم كل شيء أفرزت الأزمة نقطة خلاف جوهريه في المجتمع وعلينا معا استخلاص العبر منها .

بعد ان هدأت قليلا، قررت ان احفر قليلا في حيثيات الواقعة من ناحية نسويه ، فقد اقتتل رجلان أمامي كإمراة ، ينادي احدهم بالنضال الوطني مستخدما الفن السابع ليحاكي عقول الشباب الذكور والإناث معا أما الآخر يستخدم الدين ليحافظ (برأيه ) على عقول الشباب من العلاقة مع جنس النساء . وهنا مربط الفرس .

فكيف يفكر او يجب ان يفكر الشباب عن الفتيات ما يجب ان تفعلنه الشابات وكيف يتوجب عليهن التصرف ,ماذا يشاهدن ,ماذا يفعلن بأجسادهن وعقولهن.

نعم فَلَو سمعتهم تسجيل الرجل المتهجم الملتحي على المعلم الملتحي في صفه فلن تجدوا لغة الدين هناك ولا آيات القران او أحاديث السنة ، التي تمنع مشاهدة الفيلم أبدا ، فقد صاح الرجل :" لو أختك شايفته هذا الفيلم، اخ بس، عيب عليكو خدشتو حياء بناتنا" وعاد يكرر حياء بناتنا، نساءنا ، عيب عليكو ،لو كنت رجلا ابن رجل لواجهتني ، انت ساقط ابن ساقط ".

وإذا أمعنا النظر باللقطة التي استفزت مشاعر هذا الرجل المسلم فسترون انها استفزت فيه الرجل قبل المسلم ، حيث بطلة الفيلم هي فتاة ولها موقف وأقامت علاقة جنسيه (حميمة كما يفضّل البعض ان نقول ) مع شاب وما الا ذالك ، فالمشكلة هنا هي خدش حياء بناتنا كما صاح الرجل وعاد.

رجولتنا، كرامتنا، شرفنا وليس إسلامنا. كأن حياء شبابنا لا يخدش أبدا ، او معدوم أصلا فشبابنا لا يستحون ابدا ، فهم رجال من صلب رجال ! اما الحياء والشرف فهو منتج شرقي للبنات فقط ، فإن الفتى العربي فلا حياء له ولا شرف الا اذا ربطناه في أخته او بنته او أمه، أليس هذا هو الرجل الشرقي الحق؟ ذاك الذي يقتل باسم شرف أخته، ويفعل بالخفاء ما يريد شرط الا يخدش حياء أنثى ؟ .

فهو يولد ويموت ويبقى مربوطا بمفاهيم الحياء والعذرية والشرف بحبل الوريد ، وتسري في عروقه الشهامة والبطولة التي تفرز الى العالم بشكل الفحولة الشرقية الواهية.

وأما انا الأنثى المرأة والأم لثلاثة أطفال ذكور والتي اعمل يوميا مع عشرات الفتيات العربيات المنكوبات من قبل نفس العادات والعقائد والفوقية الذكورية ،ماذا افعل ؟ وأين رأيي وكياني وكرامتي عندما اشهد منظر رجل عربي هائج يهاجم معلما في صفه ؟ هل هذا هو عمر الشاب الفلسطيني المناضل الذي سيرسخ في ذاكرتي أم تلك صورة الرجل الذي اقتحم المدرسة؟, ذاك العربي حامي الدم الذي لا يقبل ان تر نساءه وأخواته موقفا حميما ،حتى لا "تتعلم " من البطلة كيف تحب المرأة رجلا ؟ . وطبعا لا حاجة لذكر ما يعرفه الشباب والشابات اليوم عن العلاقات بين الجنسين, وليس من فيلم عمر بل من غيره من الأفلام الهابطة المتوفرة في كل مكان دون رقيب ولا حسيب.

سمعت تسجيل الواقعة مرارا ، ولفتت سمعي أصوات نساء في الخلفية تدعو للابتعاد والهدوء ، ورباطة الجأش والرجوع للصف وتحث الأستاذ علي الا يرد بالمثل ، فكن فعلا صوت الحق والعقل بالموقف، بينما يحاول الرجال السيطرة على المتهجم وإبعاده عن المكان بالصراخ وبأجسادهم أيضا .اما كلمة "بناتنا " تعلو بين الحين والآخر . لم اسمع إسلامنا ،ديننا، قراننا إنما بناتنا فقط .

فإذا كنا فتحنا النقاش على مصراعيه يا بني شعبي هلموا لنفعل ذالك الى ابعد الحدود ، هيا لنسمي الأمور بمسمياتها فلا نخاف ولا نطبطب ولا نكمكم تحت السجادة الغالية جراحنا حتى لا تتعفن . فكيف خرجنا من قضية دبكة الشباب والشابات الرمضانية في ام الفحم؟ وكيف تعملنا مع المراثون النسوي في الطيرة؟ كلها قضايا نسويه اجتماعية تتعلق بكيان المرأة في مجتمع يقبع تحت وطأة التخلف الفكري والرجعية التي تلبس عباءة الدين والعمامة ، وهي تخفي الذكورة والرجولة المزعومة والمهزومة بيد الاحتلال، وامتهنت لتحفظ ماء وجهها البحث عن الحرام والحلال بين شفتي امرأة ، فأين هذا البطل الديني من رجل يحاضر في كلياتنا ويلمس فتياتنا فعلا وليس يخدش حياءهن فقط ؟ أين هو من المتحرشين جنسيا والمعتدين على الأطفال والفتيات ؟ ، ولماذا لم ينقض على معلم يوسع طفلا ضربا مثلا فهذا الضرب يولد رجلا عنيفا ومهزوزا ومؤكد لا يصنع الضرب رجلا مسلما صالحًا، فلماذا لا تهب بلد بحالها دفاعا عن ذاك الطفل البائس ،بينما تقوم الدنيا ولا تقعد من مشهد تمثيلي في فيلم عالمي يتحدث بالأساس عن النضال الفلسطيني والمقاومة .

هذا الصراع الديني /العلماني لا تبنوه فوق أكتافي لا تشيدوه بين أحضاني فأنا جزء من هذا وذاك ولي رأي بالإسلام كمسلمة وبالتقدمية كنسوية، فان كُنتُم فعلا تخافون على مستقبل شعبنا كما تقولون فنحن هنا معشر النساء ،جزء من هذا الشعب وهذا النقاش وهذا الدين وسوف نكون دوما كذالك. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]