تلوح في الأفق السياسي بوادر ما يمكن أن نسميه المصالحة بين فتح وحماس، لا سيما بعد محادثاث الدوحة التي جرت مؤخراً في أوائل هذا الشهر بين وفدى فتح برئاسة عزام الأحمد ووفد حماس برئاسة خالد مشعل. بحثت هذه المحادثاث في وضع "تصور عملي" لتطبيق آليات المصالحة ومعالجة العقبات. وبرغم أجواء التفاؤل التي سادت هذه المحادثات وما تلاها، إلا أنني أجادل في هذه المقالة، بأن هذه المفاوضات بين كل من فتح وحماس لن تؤدي إلى نتائج حقيقية في إنهاء الإنقسام بين الضفة الغربية وغزة، وذلك لعدة أسباب أهمها، أولاً: ارتكاز هذه المفاوضات على مفهوم المصالحة وليس التوافقية، وثانياً: غياب الضمانات الإقليمية لتحقيق أي أتفاق بين الطرفين، وثالثاً: عدم موائمة تحقق الانتخابات التشريعية والرئاسية في الأجل القريب.
الإشكالية الأولى التي تبرزها هذه المقالة، هو إرتهان مفاوضات المصالحة بين فتح وحماس بمفهوم المصالحة، والذي يرتبط كثيراً، وحسب مصادر قريبة من المفاوضات، تقاسم السلطة بين فتح وحماس، وهو الأمر الذي يعنى فيما يعنيه إستمرار حالة الإنقسام بين الضفة الغربية وغزة. إنني أعتقد أن هذه المفاوضات يجب أن تبني على مفهوم النموذج التوافقي، والذي يصلح كثيراً في المجتمعات غير المستقرة والمنقسمة، تماماً كما هو الحال عليه في فلسطين، حيث ينقسم المجتمع الفلسطيني إلى تيارين سياسيين أيديولوجين؛ التيار الحكومي العلماني بقيادة فتح والتيار المعارض الإسلامي بقيادة حماس. إن حالة الاستقطاب الحاد في الشارع الفلسطيني نتيجة لوجود هذين التيارين تحتم علينا الإعتماد على الديمقراطية التوافقية في إنهاء الإنقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. هذه الديمقراطية التوافقية تبنى على العناصر الأربعة التالية:
1. تبنى النظام الانتخابي النسبي، والذي يتيح المجال للأحزاب الصغيرة والأقليات من المشاركة السياسية والتمثيل.
2. تشكيل الإئتلافات الحكومية الواسعة لتشمل كافة أطياف اللون السياسي والأحزاب السياسية، بما فيها جماعات المصالح، على أن لا تكون هناك أغلبية لأي حزب سياسي في هذه الأئتلافات.
3. إعطاء نوع من اللامركزية لقطاع غزة في إدارة شؤونه المختلفة، نظراً لخصوصية القطاع، وانقطاع التواصل الجغرافي والديموغرافي مع الضفة الغربية، يمكن في هذا الصدد تصور إقامة حكومة محلية في القطاع تدير الشؤون المحلية دون السيادية للقطاع.
4. فيتو للآقليات، والذي يسمح للآقليات وللأحزاب الصغيرة بأن يكون لها حق الإعتراض على تعديل الدستور، أو حق الاعتراض على القضايا الحساسة في الدولة اذا ما تعارضت مع حقوق الآقليات.
بهذه العناصر، فإن الديمقراطية الفلسطينية، ستودي الى استقرار المجتمع من خلال اشراك الجميع في الحكم وعدم الإكتفاء من قبل المعارضة بدور النقد، وبالضرورة، هذا سيزيد من رضا الجمهور والأحزاب السياسية على آداء النظام السياسي وسيخفف من حده التوتر الناجمة عن إنقسام المجتمع.
الإشكالية الثانية التي تبرز في هذه المقالة، تنبثق من غياب الضمانات الإقليمية لتنفيذ أي اتفاق مصالحة أو توافق بين فتح وحماس، منذ عام 2006 وهنالك إتفاقيات بين الطرفين برعايات أقليمية سعودية، مصرية، قطرية ويمنية وكان آخر هذه الإتفاقيات اتفاق الشاطئ مؤخراً عام 2014. وجميع هذه الإتفاقيات ولدت ميتة، لأنها لم تشمل على أي ضمانات أقليمية لمراقبة تنفيذ الإتفاق وتطبيق بنوده ومحاسبة من يخل بهذه الإتفاقيات، وبالضرورة، فان أي اتفاق مستقبلي لا ينبثق من أي من أدوات الضمانات الأقليمية لن يكون مؤثراً ولن يكتب له الإستمرارية، كما تعودنا على ذلك سابقاً.
أما الاشكالية الأخيرة التي تثيرها هذه المقالة، حول إتفاق المصالحة المنتظر بين فتح وحماس، فهي موضوع الإنتخابات، أي اتفاق سابق بين الطرفين يضع شرط الانتخابات لتحقيق المصالحة خلال الست شهور أو السنة المقبلة من الإتفاق. في الواقع لم تحدث أي من هذه الانتخابات المتفق عليها، بالنسبة لى فأنا أعتقد بأن إجراء الإنتخابات عملية معقدة، وليست بالسهلة، ويجب الإنتظار وقت ليس بقصير من أجل تنفيذها، وذلك لعدة أسباب أهمها: ضرورة تعديل النظام الإنتخابي المعمول في فلسطين قبل إجراء أي إنتخابات، فالنظام الانتخابي المستخدم الآن، هو النظام المختلط والذي أدى إلى مشاكل كبيرة في الإنتخابات التشريعية عام 2006، وبالضرورة، وكما أسلفنا سابقاً، فإنه حتى تستقر الديمقراطية، فإن النظام النسبي هو الأفضل في تحقيق التوافق بين الفئات المتصارعة. من جانب أخر تشير الدراسات بأن الديمقراطية لن تستقر في الدول المنقسمة التي تجري فيها إنتخابات سريعة لتحقيق المصالحة، في العادة، يحتاج الفرقاء إلى فترة لإعادة الثقة والإطمئنان بأن تكون لهم فرصة في المشاركة في حالة هزيمتهم في الإنتخابات، لهذا يفضل إنتظار مدة قبل إجراء الإنتخابات في الدول المنقسمة.
نتيجة لهذه الاسباب والمتغيرات، فإننا خلصنا في هذه المقالة بأنه لا يجب أن نعول كثيراً على مفاوضات الدوحة لإنهاء الإنقسام السياسي بين الضفة الغربية وغزة ، وأنه اذا ما أراد المتحاورون بجدية إنهاء الصراع عليهم أن يرتكزوا على محاور الديمقراطية التوافقية، وأن يحصلوا على ضمانات دولية لتنفيذ الإتفاق، وأخيراً عليهم عدم التسرع في وضع جدول زمني قريب لاجراء الإنتخابات لتكون على الأقل في السنة الثانية من إجراء المصالحة من أجل ضمان تعزيز الثقة بين الفرقاء.
[email protected]
أضف تعليق