سمع الناس صوته، ولم يميزوا ان كان قادماً من الحياة ام من الموت، صوت الاسير الصحفي محمد القيق بعد 90 يوماً من الاضراب المفتوح عن الطعام ضد اعتقاله الاداري وهو يقول: " سمعوني صوت ابني... مشان الله".

كان نداءاً مترجرجاً من الشهقات المتتاليات لجسد يذوي جوعا وصبرا ويضخ مائه في كل الاتجاهات، هنا وهناك، ابعد من يوم القيامة، واقرب الى الخلود الانساني في ملحمة تواجه فيها الارادة البشرية عنجهية السجان، وتحالف القاتلين في حكومة الاحتلال باجهزتها السياسية والامنية والقضائية.

سَمْعوني صوت ابني، ولم يسمع صوت ابنه، لانهم لم يسمحوا له ولزوجته ولاشقائه ولوالده المريض من زيارته، كسروا نداءه امام ثكنة عسكرية اقاموها امام مشفى العفولة، وامام طفل يسال اين والدي؟، مندهشاً ومصدوما كونه يرى صور ابيه الكثيرة في المسيرات التضامنية والاعتصامات، ولكنه لا يراه ليقبله ويحتضنه ككل مساء.

سَمْعوني صوت ابني... هو صوت الحكاية كلها، حكاية شعب ربعه دخل سجون الاحتلال، وحكاية مقاومة عنيدة من لحم ودم ضد الذل والاستعباد، حكاية رجال اضاءوا الليل بملح عيونهم وصمودهم ودقوا طويلاً طويلاً على الابواب.

سَمْعوني صوت ابني، صوت محمد القيق المنفي داخل وجعه وهو يقترب كل لحظة من الموت، المنفي في العالم الخارجي بروح تشتهي الحياة، ثنائية تتناغم بين الصمود والاشارة، يصنع قصته بنفسه ويختار طريقه في هذا المشهد الملحمي، منطلقاً الى الغد الاتي، مدافعاً عن الشجر والهوية، وعن بلد تنام على اجفانه، وتخفق صدرها مع صدره، تنام على ساعديه، حارساً على حلمه حتى مطلع الفجر...

سَمْعوني صوت ابني، صوت الضحية، ترفض المصالحة على بعد دقيقتين من الموت، ترفض المساومة مادام هذا الدم يملأ المكان، وذلك القناص يسفك دماء الاولاد، تجلس على اوجاعها وتتوحد في النشيد خارج حدود الابدية.

سَمْعوني صوت ابني، هو من ياخذه الى البيت ويجيب عن السؤال، وهو من يوغل بين روحه وجسمه، ويعمر جمرة في كوكبه، ويستولد الفجر من شهوته المتقدة، فمن يمزق الستائر، ويدخل الان الى جسده ليعرف الجواب؟.

سَمْعوني صوت ابني، صمت الليل، توقف المطر، لم ينزل الثلج، توقفت الرياح، الطبيعة تتحول، والتوقعات خارج نص الموت الاسرائيلي، وقد كذب المنجمون وصدق جسده الذي اطال عمره هذا الغيم، وهو يصعد به سماءً قبل السماء.

سَمْعوني صوت ابني، يصبح الصوت ولادة، والشمس طليقة بين الشفتين، الجسد يصرخ ولا دليل غير زلزال يتدفق في شرايينه، هي النار والماء في جسد واحد، يشرب ويشرب، كأن الشتاء ينام في سريره، غائب يضيء ويجيء اعلى سطوعاً وابهى، يشتعل في داخله ويحيا...

سمعوني صوت ابني...ها هو ذا الآن ينطق في رحلته السرمدية، يتغلغل تحت آلامه، يتبدد في الابد، حشد ، كر وفر ولا احد، يشهد الآن ان الحرية اول ما ينتمي اليه، وآخر ما ينتمي اليه، عيناه رمل ووجهه شمس، العقل والقلب هناك في القدس.

سمعوني صوت ابني، صوت الاسير محمد القيق يقول: اكتبوا ايها الناس وغنوا، لا تتركوني فريسة لمن ارادوا اغتصابي في أقبية التحقيق، مزقوا كفن السجن عن جسمي، فلا تشق الطريق الى الحياة الا بأجسادنا ، نزحزح هذا الثقيل الاحتلال... صوتي هو زفيري الاخير.

سَمْعوني صوت ابني...

جسد سيد

يدق باب السماء

يدق باب الارض

لا يموت سوى الحي

ولا يحيا سوى

من مات بكبرياء

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]