تلقيت عصر أمس الأول، الأربعاء 3 من شباط الجاري خبرا صدمني ولم أصدقه، وسرعان ما تأكد الخبر الحزين والفاجع، بالوفاة المفاجئة والأليمة للدكتور جريس سعد خوري، مدير مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية، ورئيس مجلس فسوطة المحلي الأسبق والباحث في الحوار الاسلامي – المسيحي وفي اللاهوت المسيحي، ورئيس تحرير مجلة الأبحاث الفصلية "اللقاء".
في ذلك اليوم هوى جبل من جبال الجليل الأعلى.. نسر من نسور الوطن الأشم.. قامة وطنية شامخة .. شخصية جريئة، مقدامة، مثابرة.. من رواد العيش المشترك على أسس وطنية تحترم الديانات والتعددية الفكرية.. باحث متعمق في اللاهوت المسيحي وفي الحوار الاسلامي – المسيحي.. محاضر وأستاذ جامعي قدير.. رحل عنا وهو يؤدي الرسالة في ساحة الفاتيكان قبيل لقاء قداسة البابا مع وفد مسيحي – اسلامي رفيع من البلاد..
على مدار 35 عاما أدار وقاد، الدكتور جريس خوري "مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأراضي المقدسة".. بحكمة وشجاعة وحرفية، عرف كيف يسبح داخل التيارات المختلفة ويخرج سالما مع مركز اللقاء.. أجاد فن الحوار والنقاش، وأسر مستمعيه في محاضراته وكلماته.. وقدم الكلمة الصاقة المشفوعة بالبرهان والمصدر اليقين.. لم يلق الكلام على عواهنه، بل كان واثقا، متأكدا، دارسا لكل كلمة ورأي.. قاد وأدار عشرات المؤتمرات التي نظمها المركز سنويا، من مؤتمر للاهوت الى مؤتمر للحوار..فيها قال كلمته بجرأة وشجاعة، وأعلن موقفه دون تردد أو وجل.. وجه النقد المباشر بصراحة ودون مواراة.. تمتع برؤية سياسية ناضجة، مستندة الى الموروث القومي العربي، ومستنيرة بالخط الوطني الملتزم، وملتزمة بأسس العيش المشترك الكريم..
جمع شمل الباحثين والمتابعين والمهتمين، من أعالي الجليل حتى جبال القدس وبيت لحم، مرورا بكرمل حيفا ضاب شفاعمرو وساحل يافا وبشارة الناصرة، شكل مركز اللقاء بيتا دافئا لهم، ومؤتمراته ملتقى حميميا بين أطراف الوطن المتناثرة.
بموته المبكر والمقدور، أبقى لنا راحلنا العزيز والكبير د. جريس خوري مآثر كثيرة، سنتوقف عندها طويلا مستقبلا، وكأن المتنبي قال فيه:
أبقَى مكارمَ لا تبيدُ صفاتُها ومَضى لوقتِ حِمامِهِ المقدورِ
حزننا كبير عليك يا أبا بشارة.. خسارتك فادحة ولا تعوض.. لنا معك ذكريات طويلة وعميقة.. في الأيام القادمة سيطول الحديث معك.. الى لقاء..
[email protected]
أضف تعليق