ربما لم يكن في بال الشاعر محمود درويش عندما كتب قصيدته «جواز السفر»، أن يأتي اليوم الذي ستصبح فيه كلماتها شعاراً يومياً على لسان كل لاجئ فلسطيني في لبنان، يطالب من خلاله الحكومة اللبنانية ببعض من رفق، تسرِّع فيه عملية إصدار جوازات السفر البيومترية الخاصة بهم، بعدما دخل في 24 تشرين الثاني قرار «المنظمة الدولية للطيران المدني» (ايكاو) حيّز التنفيذ، وتمّ على أثره حظر تداول جوازات السفر غير المشفّرة والمكتوبة بخط اليد.

447 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين في لبنان، بحسب «الأونروا»، يعتمد قسم كبير منهم على الأموال التي يرسلها المغتربون منهم في دول الانتشار الفلسطيني، حيث يُسمح لهؤلاء بالعمل في وظائف عدة قد تكون ممنوعة عليهم في لبنان، أمَّا تلك المسموحة فلا يكاد مردودها يؤمن لهم كفايتهم مع أسرهم في مخيمات اللجوء.

يُعتبر جواز السفر، لدى الفلسطينيين المغتربين، أكثر من مجرد وثيقة مرور وتنقّل بين الدول، هو وثيقة تحمل لهم متنفساً للحياة، وقد جاء قرار «ايكاو» ليسدّ بعضاً من ذاك المتنفس، حيث باتوا عالقين في الدول التي يعملون فيها من دون القدرة على مغادرتها خوفاً من عدم السماح لهم بالعودة إليها، وبالتالي فقدان مصادر رزقهم. ولعل المناشدات التي عكفت منظمات فلسطينية عدة، تعمل في مجال حقوق الإنسان، على توجيهها للسلطات اللبنانية لتغيير هذه الوثائق قبل دخول قرار «ايكاو» حيز التنفيذ، لم تلق آذاناً صاغية، فبات اللاجئ الفلسطيني أسير الدولة التي هو فيها.

وعود المسؤولين اللبنانيين الذين أكدوا مراراً أنهم يولون موضوع جوازات سفر الفلسطينيين العناية الكاملة، لم تفلح في طمأنة عشرات الآلاف من المغتربين الفلسطينيين، فاستمرار «إعطاء مواعيد مطاطة لا تلتزم بها السلطات اللبنانية، إنما هو عامل سلبي يعود بسيئاته الاقتصادية على لبنان قبل الفلسطينيين في مخيماتهم»، بحسب ما يوضح المنسق الحقوقي لـ «شبكة الترتيب العربي» المواكبة لهذا الملف، رضوان عبدالله.

يقول عبدالله لـ «السفير»، إنه من خلال مواكبتهم للمراجعات الرسمية للسفارة الفلسطينية في لبنان، فإن العمل على استصدار جوازات سفر بيومترية للفلسطينيين يتقدّم ببطء لاعتبارات كثيرة، «أهمها الأمور اللوجيسيتية والإدارية»، مشيراً إلى أن «هذا التأخير تسبّب بإرباك لحَمَلة الجوازات الحالية، وضيَّع على المتخرجين الجدد فرص العمل في كثير من الدول، وفي شكل خاص العربية منها، إذ لجأت هذه الدول إلى استقدام موظفين من غزة والضفة الغربية لملء شغور الوظائف، فيما توقف استقبال الفلسطينيين حاملي الوثائق اللبنانية».
يأسف عبدالله لمسارعة بعض الدول العربية إلى وقف العمل بالجوازات المكتوبة بخط اليد، مشيراً إلى أن الإمارات، قطر، والسعودية كانت من الدول السبَّاقة لبدء تنفيذ بنود قرار «ايكاو». لكنه يوضح أن الرياض عمدت إلى «تسهيل امور تجديد الإقامات للموجودين على أراضيها، أما مَن يغادر فلا يمكنه العودة».

يؤكد مهندس الاتصالات، أ. ص.، أنه لم يتمكن من زيارة عائلته في لبنان بعد انقطاع دام أربع سنوات بحكم عقد عمله في السعودية، وعندما بات بإمكانه العودة، كان قرار «إيكاو» قد دخل حيز التنفيذ، فحاول الاستيضاح من السفارة اللبنانية عن إمكانية عودته إلى الرياض في ما لو غادرها، ليأتيه الجواب بأن ليس بمقدورهم ضمان الأمر، وهو متروك للبلد المضيف، أما الأمن العام اللبناني فكان ردّه: «نعمل على معالجة موضوع الجوازات ولكن لا إطار زمنياً محدداً لإتمامه».

في هذا السياق، يلفت رئيس جهاز المكننة والمعلوماتية في المديرية العامة للأمن العام العميد الركن حسن علي احمد الانتباه، إلى أن شباط المقبل يحمل بشرى سارة للفلسطينيين، إذ أنه من المرتقب أن ينتهي العمل بحل موقت يقضي باستحداث صفحة مقروءة الكترونياً في جوازات السفر المجدّدة، تكون مقبولة في دول العالم أجمع، وذلك ريثما يصار إلى الانتهاء من جوازات السفر البيومترية.

ويوضح أن الأمن العام لا يزال يقوم بواجباته لناحية تجديد وثائق سفر اللاجئين الفلسطينيين، فمهامه تقتضي بتجديدها وفق الآلية القديمة أي بخط اليد، حيث لا تزال دول كثيرة تعمل بها، أو من خلال الصفحة المقروءة ألكترونياً، التي يتمّ العمل عليها، وفي مرحلة متقدّمة عبر الجواز البيومتري، والذي من المتوقع أن يصبح في المتناول بداية العام 2017.ويذكر أن الاستثناء الذي نشرته «إيكاو» في 17 تشرين الثاني الماضي، وفيه تؤكد أن قرارها وقف العمل بجوازات السفر المكتوبة بخط اليد «لا يسري على وثائق السفر الصادرة للاجئين وعديمي الجنسية»، يشمل الفلسطينيين أيضاً، على أن «يبقى الأمر بيد الدول المضيفة إن كانت تلتزم بهذا الاستثناء أم لا».

ويستغرب أحمد ما يُثار من كلام حول التمييز بين اللبنانيين والفلسطينيين لناحية الأولوية في إتمام جوازات السفر البيومترية، مؤكداً أن «العملية لا تسير وفق هذا الترتيب ولا أولوية للبناني على الفلسطيني في هذا الإطار».

ويُوضح أن لبنان كان ولا يزال من أكثر الدول التي تلتزم حقوق الإنسان وتسعى السلطات فيه دائماً «لتأمين سبل العيش الكريم للجميع من دون تفرقة، حتى إذا ما تمت مقارنة مقدراتنا مع ما تمتلكه دول أخرى، ومنها العربية، فإننا نجد أن ظروف معيشة المواطن اللبناني هي الأكثر مساواة للأشقاء اللاجئين لدينا».

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]