في السادس من شهر يناير 2016 أكمل المناضل الكبير كريم يونس، ثلاثة وثلاثين عاماً في سجون الإحتلال ودخل الآن عامه الرابع والثلاثين ، وهو الذي كان قد أعتقل في السادس من يناير 1983 عندما كان على مقاعد الدراسة في جامعة بئر السبع، وهو من مواليد بلدة عارة في المثلث، والذي التحق بحركة فتح منذ مطلع الثمانينات وقاد خلية عسكرية، أتهمه الاحتلال بخطف جندي إسرائيلي بهدف مبادلته بأسرى فلسطينيين، وقد تعرض كريم يونس للتعذيب والتحقيق الوحشي، وصدر حكماً بالاعدام رغم إصراره على عدم الإعتراف بالتهم الموجهة اليه، وقد ارتدى على مدار شهور ملابس الإعدام إلى ان تم تحويله لاحقاً للحكم المؤبد، وعندما عقدت صفقة التبادل الشهيرة عام 1985 بين اسرائيل والجبهة الشعبية القيادة العامة والتي بموجبها تحرر 1150 اسيراً من ذوي الأحكام العالية والمؤبدات، كان أسم كريم يونس بينهم وصعد إلى الحافلة التي أقلت المحررين لكنه جرى إعادته بمناورة ولعبة من المخابرات الإسرائيلية إلى السجن تماماً كما جرى ذلك سابقاً مع المناضل الشهيد القائد زياد أبو عين.
وعند توقيع إتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الوطنية وعودة الرئيس الراحل ياسر عرفات إلى الوطن فوجيء كريم ورفاقه الأسرى بأن فريق أوسلو لم يذكر ان هناك آلاف الأسرى في سجون الاحتلال كما ان فريق المفاوضات لاحقاً وطوال عقدين من الزمن وافق بشروط إسرائيل باستثناء الأسرى الذين نفذوا عمليات فدائية أدت الى مقتل إسرائيليين "الملطخة أياديهم بالدماء حسب المقولة الإسرائيلية" وسلمت القيادة الفلسطينية وفريقها المفاوض بالشروط الإسرائيلية ودفع ثمن ذلك مئات الأسرى المناضلين وما زالوا، وهي جريمة مستمرة، حيث يقضي أكثر من 1500 أسيراً في السجون الآن أكثر من 10 سنوات بسبب التجاهل والتقصير والتواطوء، وهذا الرقم الأكبر لعدد من الأسرى يقضون أكثر من 10 سنوات منذ إحتلال عام 1967 وحتى الآن.
وعندما عقدت صفقة وفاء الأحرار (صفقة شاليط) عام 2011 فوجيء كريم يونس ورفاقه الأسرى القدامى وأغلبيتهم من أسرى حركة فتح من استثنائهم من الصفقة وفسروا ذلك بدفع ثمن الانقسام الفلسطيني الأسود بسبب انتمائهم لفتح ، علماً ان الأسرى ظنوا وما زالوا انهم خارج الحسابات الحزبية والفئوية لأنهم ليسوا طرفاً في الانقسام، بل هم من بادروا الى وثيقة الأسرى للوفاق الوطني وهم الذين يصرون على الوحدة الوطنية.
وبعد صفقة وفاء الاحرار والاحراج الذي سببته للقيادة الفلسطينية بفشلهم في اطلاق سراح الاسرى خلال 10 سنوات طبقاً لوعد الرئيس مع انتخابه فقد ضغطوا لاطلاق سراح اسرى ما قبل أوسلو، حتى تم الافراج عن 76 منهم وبقي ثلاثون وعلى رأسهم عميد الأسرى المناضل كريم يونس، حيث رفضت حكومة الاحتلال وما زالت الافراج عن الدفعة الرابعة ونصفها من اسرى الداخل ، ورغم ما وقع من تغيرات كبرى في العالم منذ ثلاثة عقود ونصف وانهيار الاتحاد السوفييتي وحربين في الخليج وانتفاضتين وقيام السلطة وعشرين عاماً من المفاوضات والربيع العربي وحالة الأحتراب والأقتتال وزيادة التطرف الديني في الوطن العربي وأكثر من 15 حكومة في اسرائيل كان كريم خلالها في زنزانته قابضاً على مبادئه التي ضحى في سبيلها ولم يهن ولم تضعف عزيمته او يتراجع بل ظل وما زال شامخاً قوياً يستمد الثبات والصمود والعزيمة من شعبه العظيم بل يواصل الكفاح جيلاً بعد جيل، كما ان سر قوة كريم ينبع من والدته العظيمة القوية المؤمنة والتي على مدار 34 عاماً وقفت الى جانبه وأعتبرت أم الأسرى ولم تغب عن مظاهرة أو مسيرة أو اضراب او زيارة او فعالية لكنها بعد هذه السنوات الطويلة من الكفاح والصبر والثبات لم تعد تقوى على ذلك صحياً وبعد ان أصبحت في أواخر الثمانينات من عمرها لكنها متفائلة ومؤمنة انها سترى كريم وانها ستحتضن ابنها المناضل الكبير كريم يونس والذي شكل رمزاً للاسرى وكفاحهم وصمودهم، كما انه من قادة ورواد الحركة الأسيرة وبناتها وقد خاض عشرات الاضرابات وما زال وتحمل المعاناة وعاش ثلثي عمره وراء القضبان، لكن فلسطين تسكن عميقاً في قلبه ووجدانه وهو يؤمن أنها أرض الآباء والأجداد وان حقنا فيها لا يقبل الجدل والالتباس فهو حقنا التاريخي والوطني والقومي والانساني والاخلاقي والديني في فلسطين، وكريم يونس مؤمن بحتمية الانتصار مهما كانت الصعاب، فقد تسنى لي ان التقي به على شباك الزيارة الزجاجي أثناء زيارتي للمناضل الزعيم الوطني مروان البرغوثي ورفيق دربه وصديقه وأحسست دوماً بما يتمتع به كريم من محبة وتقدير كبيرين لدى الاسرى، كما أنه على درجة كبيرة من الثقافة والوعي وهو مثابر على القراءة والمطالعة والكتابة وعلى تثقيف زملائه الأسرى ومساندتهم.
والسؤال الآن وكريم يدخل عامه الرابع والثلاثين الى متى ينتظر كريم يونس ، وماهر يونس ، ووليد دقة، وناصر ومحمود ابو سرور وجمعة آدم ومحمود ابو خرابيش واحمد ابو جابر ومحمد الطوس ويحيى إغبارية وكل رفاقهم من الدفعة الرابعة؟!!!!
والى متى سينتظر أكثر من 1500 أسير قضوا أكثر من 10 سنوات ونصفهم أكثر من 15 عاماً في السجون؟
والى متى ستبقى الفصائل والسلطة والمنظمة والرئيس متجاهلة لحرية الأسرى الذين ضحوا بحريتهم في سبيل حرية شعبهم؟ الا يخجل قادة حركة فتح والذين تركوا اسراهم فرسان الانتفاضة والمقاومة وضمير فتح يستفرد بهم عدوهم ؟ والى متى سيظل الشعب متسامحاً مع من يفرط بحرية الأسرى.
[email protected]
أضف تعليق