تعكف لجنة العمل والرفاه في الكنيست هذه الايام لمناقشة اقتراح الخدمة الوطنية والذي قدمته الحكومة نفسها . وقد مر الاقتراح بالقراءة الاولى ومن المتوقع المصادقة عليه في الاشهر القادمة.

موضوع الخدمة القومية او المدنية ليس بجديد على الجماهير العربية. فقد خاضت هذه الجماهير, قبل حوالي ثماني سنوات, بقيادة لجنة خاصة لمكافحة الخدمة المدنية منبثقة عن لجنة المتابعة رأسها آنذاك سكرتير الجبهة الديمقراطية سابقا ورئيس القائمة المشتركة اليوم عضو الكنيست أيمن عوده , معركة شرسة وصادقة تتوجت في توقيع اكثر من ربع مليون مواطن ضد هذا القانون. بفضل هذا النضال تم تغيير التوجه العام للخدمة المدنية وتم ابعادها الى حد كبير عن العلاقة بوزارة الامن. وقد تم احداث تعديلات في مشروع القانون الجديد حيث لغته اكثر مدنية ويتحدث عن التطوع ولا يذكر "الخدمة الاجبارية" او ربطه ب "تحمل العبىء" وتقبل بدائل اخرى لما تطرحه الحكومة من اجل مأسسة الموضوع. لكن ما زالت باقتراح مشروع القانون ثغرات تمنع الجماهير العربية من قبوله.

في العام 2008 نشرت مقالا تحت عنوان "نحو بديل وطني للخدمة الوطنية " دعوت فيه الى طرح بديل يحرج الحكومة وفي صميمه ان نبادر الى مأسسة التطوع القائم اصلا بيننا, ادارته وتوسيعه . للأسف لم يحدث ذلك حتى الان مع ان قطاعات واسعه من شعبنا وقياداته تؤيد ذلك.
لا يتنكراحد لأهمية موضوع التطوع وفوائده للمجتمع. فقد اثبتت دراسات عديده ان التطوع يعود بالفائدة ليس فقط على المتطوع نفسه حيث ينمي شخصيته ويعزز عند الشباب والشابات المتطوعين والمتطوعات ثقافة العطاء وثقافة الانتماء وانما يضخ قوة جديده وامكانات مجتمعية من شأنها جعل المجتمع اكثر صحيا ومتماسكا.

لا يخفي على احد ان شبابنا يعيشون ازمة خانقة ليس كلها مرتبطة بالحكومة وسياستها. هناك 40% من شبابنا وشاباتنا بين سن 18 -22 سنة لا يعملون ولا يشتغلون. ظاهرة انتشار مقاهي النرجيلة في جميع بلداتنا من جهة والعنف المستشري بين جمهور الشباب لها علاقة مباشرة في الفراغ بين اوساط الشباب. لكن حتى لو لم تكن هذه القضية قائمة فأن ممارسة التطوع واعطاء سنة للمجتمع تخلق شابا افضل ومجتمعا متماسكا اكثر.

خير مثال على ذلك هو "الحراك الشبابي" والذي تأسس في النقب. حيث يحلو لأحزاب وحركات سياسية عدة احتكار هذه المجموعة بعد تصديها لمخطط برافر في النقب في العام 2013. . مؤسسو ونشيطو "الحراك الشبابي" ينتمون سياسيا لأكثر من تيار سياسي واحد. لكن القاسم المشترك لغالبيتهم هو كونهم متطوعين وخاضوا تجربة العطاء للمجتمع وعززوا من انتماءهم الوطني وبقوا نشيطين سياسيا ومجتمعيا في احزاب ومؤسسات المجتمع المدني.

باعتقادي ان الوقت قد حان الى مأسسة التطوع وطرح بديل يخدم مجتمعنا بدون التنازل عن الثوابت التالية: ان الحديث يدور عن تطوع مجتمعي وليس خدمة مدنية او قومية يأتي من خلال الحوار مع قيادة الجماهير العربية ولا يمكن فرضه بالقوة. ان يتم التطوع في البلدات العربية خدمة للجمهور العربي, لا علاقة من قريب او بعيد للتطوع مع المؤسسة الامنية الاسرائيلية. ان تتولى السلطة المحلية في كل بلده وخاصة قسم الرفاه الاجتماعي بتركيز هذه المهمة وخلق وظيفة مركز تطوع في السلطة المحلية. هذا المركز ينتخب على يد السلطة المحلية نفسها ويجري مسح عام لحاجات التطوع في بلدته. بالإضافة لذلك يجب ان لا يكون التطوع على حساب اماكن العمل او ان يقوم المتطوع بإشغال وظيفة حضرت اصلا لموظف خاص. والاهم من كل ذلك ان لا يتم ربط التطوع في المجتمع العربي في خطاب الحقوق والواجبات. لا علاقة بين حقوق المواطن العربي, المستمدة من مواطنته اسوة بباقي مواطني الدولة, وبين قيمة التطوع.

لقد بادرت جمعيتي اجيك وصندوق ابراهيم الى طرح نموذج خاص للتطوع يأخذ بعين الاعتبار المعايير التي ذكرت. ينفذ المشروع بأربع سلطات محلية عربية بالتعاون مع رؤساء هذه السلطات ويعمل بنجاح فيها. من المهم بمكان تقييم هذا النموذج وتبنيه ليصبح نموذجا لباقي بلداتنا العربية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]