هيّا نخشّ ثلجة أولى لشتاء العام، من غير زاوية فجوة الثقة بين الفيسبوكيين وخبراء الأرصاد الجوية. لما كنا في الصف السابع، راح الأستاذ يشرح لنا من أين يأتينا، شتاء، الصقيع السيبيري.
كانت أمامنا خارطة لخطوط الحرارة المتساوية (إيزوبار) وفي أقصى شمال شرقي سيبيريا تضيق لتشكل دائرة صغيرة، حيث أشدّ الصقيع الشتوي، وهي مفتوحة على ـ 60 ْ باتجاه (جنوب شرق).
قال: من هنا يأتينا القرّ والصقيع والثلجات. تلميذ قال، بين النكتة والسذاجة والبلاهة: لماذا لا يغلقون الدائرة؟ فانفجر الصفّ في موجة ضحك!
كبرنا، وصرنا نعرف أنه في العصر الجمودي القصير، قبل 12 ألف عام، أمكن للبشر الأقدمين اجتياز المضيق الفاصل بين آسيا وأميركا، سيراً على الأقدام، والانتشار البطيء من أقصى شمال كندا (ولاية ألاسكا) إلى أقصى جنوب أميركا الجنوبية (كيب هورن) الأقرب البري إلى القطب الجنوبي للقبعة الجمودية (وهي قارّة برّية، خلاف القطب الشمالي المائي).
يقول علماء المناخ والجموديات: إنه كل 50 ألف عام تجري دورة جمودية، لأسباب فلكية يطول شرحها، وبفعل احترار جو الأرض، و"الدفيئة الزجاجية" الحالية، منذ العصر الصناعي، سيتأخّر العصر الجمودي 50 ألف عام آخر!
الذي حصل في بلادنا، مع الثلجة الأولى، لا يقاس مع ما حصل في النصف الشمالي للكرة الأرضية، حيث "ثلجة تاريخية" شمال شرقي أميركا، وحيث تدنّت الحرارة في هونغ كونغ شبه الاستوائية إلى درجة الصفر، لكن يبقى صيف هذا العام الأكثر حرارة منذ قرون.
صيف بلادنا 2015 كان قائظاً، وإن بدرجة غير قياسية، وتوقّع الناس شتاءً قارساً لأن قانون فيزياء الجوّ، أيضاً: "لكل فعل ردة فعل".
تمر على بلادنا شتاءات مثلجة (حتى أربع ثلجات وأخرى بلا ثلجة، وحصلت ثلجات في تشرين الثاني، وثلجة مطلع نيسان قبل سنوات، لكن معظم الثلجات ميعادها في شهري كانون الثاني وشباط.
ثلجات بلادنا غير شكل، وأمطارها غير شكل، ومرّت علينا مربعنية كانت جافّة وعجفاء، وهذه المربعنية جاءت رطبة، ومعها ثلجة أولى توقّعها الناس والفيسبوكيون "تاريخية" وجاءت خفيفة رهيفة.. والحمد لله.
لماذا "الحمد لله"؟ أزمة الغاز خفيفة نسبياً، والكهرباء لم تنقطع كثيراً، ولم تقع "كوارث" بشرية وغير بشرية، سوى سقوط شهداء آخرين، والأهم، أنها ضربت جنوب البلاد أكثر من شمالها، سواء في التهطال المطري أو سماكة الثلج (60 مم مطر في رام الله وضعفها في الخليل و12 مم في جنين).
بلادنا متوسطية، وأمطارها شتوية أساساً (وخريفية وربيعية ثانوياً) وفي بلادنا يقولون: "منخفض" و"مرتفع" كما في الإنكليزية، والأصحّ كما يُقال في الفرنسية: (cyclone، Anty-cyclone) أي زوبعية ـ عاصفية، أو مستقرّة.
لا يعرف ناس بلادنا فوق ـ المدارية جغرافياً، أن التهطال المطري في القدس ورام الله يفوق ما في باريس ولندن، سوى أنه متقطع شتاءً، ومتقطع كلياً صيفاً حيث التبخّر كبير في قيظ الصيف، لكن في لندن يقولون "جفاف" إن لم تمطر أسبوعين شتاءً أو صيفاً.
منذ بعض السنوات، تنتهي النشرة الجوية الشتوية للأرصاد الفلسطينية بعبارة: "الله أعلى وأعلم" لأن التوقعات مثل "حساب الحقل وحساب البيدر" في الحزام الجغرافي المتوسطي، خلاف دقة كبيرة للأرصاد الجوية اليومية الثلاثة في لندن مثلاً.
الأرصاد الفلسطينية، وهي حديثة العهد، دافعت عن سمعتها، تجاه التهكم والسخرية من الذين اعتادوا وفرة المطر وسماكة الثلج في الشمال، وتوقعوا "أم العواصف" وثلجة تصل إلى ما فوق الركب.
المطر في بلادنا مزاجي من سنة إلى أخرى، ولكن التثليج أكثر مزاجية كما ويحصل أنّ أشدّ شهور الشتاء قرّاً وبرداً لا يصادف أيام "المربعنية"، كما أن درجة الحرارة، نهاراً وليلاً، غير ما يشعر بها الناس Feel as، حيث تكون أدنى من المتوقع.
حتى في أميركا والصين واليابان، حيث الأرصاد الجوية هناك ذات دقة عالية وسجل طويل، لم يتوقعوا موجة صقيع كهذه، و"ثلجة تاريخية"، فما بالك إن أثلجت في "تبوك" شمال السعودية وكانت بلا مطر أو ثلج في رام الله، أو حصلت سيول داهمة في مكة ولم تحصل في فلسطين (وإن حصلت في غزة لأسباب أخرى تتعلق بالبنية التحتية أو الطبوغرافية).
للثلج، الذي يقطع مألوف الشتاء في بلادنا، فوائده للتربة وتغذية الأحواض المائية الجوفية، لكن للمطر وانتظامه وتوزيعه في الخريف والشتاء والربيع، أهمية أكبر، علماً أن كل 10 سم من سماكة الثلج تعني واحد سم من الماء..
وفي الثلجات الكبيرة أجمع بعض الثلج، وأستخدم ماءه لإعداد شراب الشاي بنكهة الشاي ولون الشاي، أيضاً!
ربما كانت الثلجة التالية أقوى، وربما كانت هذه الثلجة العابرة هي اليتيمة.. والمهم أن يكون المعدّل المطري مواتياً في كمّيته وفي توزيعه، وأيضاً أياماً مشمسة بين كل "نوة" و"منخفض" و"سيكلون" وآخر.. يعني "دمعة مطر وابتسامة شمس".
[email protected]
أضف تعليق