إسترجاع الحقوق ... رفض التنازل ... نبذ الخيانة
نشأ شعبنا على مفهوم وطني نفتخر به وهو "من لا يمكنه استرجاع الحقوق لا يملك التنازل عنها"
نعم، بكل صراحة من لم يتمكن من استرجاع حقوقنا بعد محاولاته المشكورة، ولو استغرق عقودًا من النضال، فليجلس في بيته، ولا تثريب عليه ولن يلومه أحد أبدا، بل سنعترف له بجميل فعله، وحسن محاولاته، وسنذكره بكل خير وافتخار، وقد يخلد اسمه في التاريخ الفلسطيني والإنساني ضمن أسماء ذووي الضمائر الوطنية والباحثين عن الحرية والاستقلال لشعوبهم وأوطانهم، ولنا بنيلسون مانديلا خير مثال على القائد القدوة الذي فضل البقاء داخل سجنه زهاء ربع قرن على أن يوقّع لشرعنة الإحتلال وممارساته العنصرية داخل وطنه.
ولذلك ومن خلال متابعتي لردة فعل شعبنا الفلسطيني الغاضبة إتجاه تصريحات ماجد فرج حول تنسيقه مع المحتل الغاصب، ومباركة وتشريع محمود عباس لهذه التصريحات وتأكيده عليها، بل ومجاهرته بأنه هو صاحب هذه القرارات، وجدتُ أنه لا بدّ من أن نتذكر معًا أن هناك تشريعات تاريخية ما زلنا نعاني منها إلى الآن، وهي أصعب وأخطر من تصريحات ماجد فرج.
في مراجعة سريعة لمسيرة نضال شعبنا الطويلة، - كي لا تحركنا عواطفنا في آن ثم تنطفئ - فإننا نتذكر أن منظمة التحرير أخفقت بتحرير شبر من فلسطين ، فما هي حتى أوجدت لنفسها بعد عقود من النضال مبررات لإخفاقها،مثل خروجها من لبنان وتونس وتداعيات حرب الخليج الثانية وتحالف القوى العربية والدولية ضدها وغير ذلك من المبررات، مما دفعها وأجبرها حسب ما ادّعى قادتها لإجراء إتفاقية أوسلو المشؤومة.
كما نتذكر أيضا أن منظمة التحرير بعد إتفاقية أوسلو اعترفت بالكيان الصهيوني المحتل كدولة جارة لها سيادة وشعب يملك الأرض والسماء والمياه، وذلك على حسابنا نحن 6 ملايين فلسطيني مشردين خارج فلسطين، إذ نشكّل نصف تعداد شعبنا، وللعلم فإننا الشعب الوحيد الذي يعيش نصفه خارج وطنه لا يستطيع دخوله أو وطأ أرضه!!!!
ونتذكر أن منظمة التحرير بعد أوسلو ألغت حق عودتنا نحن اللاجئين إلى أرضنا سواء في 48 أو 67 وذلك دون الرجوع لنا نحن أصحاب الأرض من خلال استفتاء نشارك به جميعًا في الداخل والخارج ليكون خيار الموافقة والرفض قائمًا - على أقل تقدير- لهذه الإتفاقية الملعونة والظالمة تمامًا، كما يُستفتى كل شعوب الأرض التي تحترم نفسها، وعليه فإن شعبنا مهمش إداريًا ومؤسساتيًا، ولا يشعر بإحترام المنظمة لوجوده عوضا عن تمثيلها له.
ومما نتذكره أيضًا، أن منظمة التحرير تفاوض بإسمنا وتتنازل عن حقوقنا وتمحو وجودنا دون أن نفوضها أو نخولها بذلك. وكيف يمكننا أن نفوضها أو نخولها ونحن ممنوعون أصلاً ومحرومون من ممارسة حقنا الطبيعي بانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني وهو الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده داخل وخارج فلسطين، وهو الذي يضع سياسات منظمة التحرير الفلسطينية ويرسم برامجها من أجل إحقاق الحقوق الوطنية المشروعة، والمتمثلة في العودة والاستقلال والسيادة وإقامة الدولة المستقلة.
ويجب أن نذكر أن منظمة التحرير وافقت على إقامة سلطة حكم ذاتي على جزء من أراضي ال-67 وتركوا ستة ملايين فلسطيني بين أنياب الشتات بلا وطن ولا مرجعية شرعية تقوم على رعايتنا وتسهيل أمورنا والعمل على تعجيل عودتنا.
بعد كل هذا تطل علينا اليوم منظمة التحرير ومعها السلطة الفلسطينية، وذلك بسبب سكوتنا وخضوعنا وعدم مبالاتنا، يجددون معلنين صراحةً عن وقوفهم مع المحتل ضد شعبهم من خلال مجاهرتهم بالتنسيق الأمني وقمعهم للمناضلين الأحرار الذين يقومون اليوم بواجبهم سعيًا منهم لتحقيق التحرير والحصول على الإستقلال.
نحن نعلم أن أي رئيس في العالم ما يعدو مجرد إنسان، قد يتبدل حاله وتتغير أهدافه وتقل قدرته على التحمل. وقد تسقط همته وتضعف شكيمته وتخور قواه، ولذلك فإن أهم ضمان يساهم في الحفاظ على الأهداف والاستراتيجيات بعيدة عن الإنحراف أو تحويل البوصلة عن اتجاهها الصحيح هي الهيئات الشورية المؤسسية المنتخبة.
وأعتقد أننا نعاني من غياب هذه الهيئات الشورية المنتخبة بشكل دوري ودستوري لنحفظ مشروعنا الوطني الفلسطيني من أي إنحراف. ومما لا شك فيه أن هذا الغياب سمح لقادة منظمة التحرير، التي أسست قبل احتلال أراضي ال-67 بهدف تحرير أراضي ال-48 ، سمح لقادة المنظمة المتفردين بالقرار بل والغاصبين له أن يبدلوا من أهدافها وتغيير إستراتيجياتها، حتى بلغ أمرهم اليوم أن يعترفوا بالمحتل وشرعية وجوده وحقه بأرض 48 وقبلت على نفسها أن تدافع مع مرور الزمن عن المحتل وجنوده وتساهم بتحقيق أجنداته تحت حجج واهية مثل الحفاظ على سلامة المواطن الفلسطيني الأعزل في الضفة اليوم !!!
من هنا، فإننا ننبه ونحذر شعبنا من نسيان تلك التشريعات الأخطر والأقدم على قضيتنا، ولولا سكوتنا عليها لعقود ما تجرأ ماجد فرج وغيره أن يجاهروا كل حين بمثل هذه التصريحات.
نحن بحاجة لوقفة مع أنفسنا كشعب فلسطيني لنراجع كيفية تفعيل وتغيير أدوات ووسائل عمل منظمة التحرير من خلال إحياء هيئاتها الإدارية ومؤسساتها الشورية، لتتحول إلى الممثل الشرعي الشامل والجامع والديمقراطي ثم الوحيد لكل أبناء شعبنا دون إقصاء لأي أحد ما على خلفيته السياسية أو أيديولوجيته التي يتبناها.
نحن بحاجة لمنظمة تحرير تدافع عن شعبنا الراضخ تحت الإحتلال، وترفع عنه في غزة الحصار، وتعمل على لم شمله ووحدة صفه!!!!
نحن بحاجة لمنظمة تحرير تحتضن اللاجئ في الشتات وتسعى لخدمته والعمل على سلامته والحفاظ على حقوقه وحمايته من التوقيف في سجون المطارات أو الغرق في عرض البحر.
نحن بحاجة لمنظمة تحرير تسعى لتلبية طموح شعبنا والعمل على عودته إلى أرضه التي أخرج منها مهما كلف الثمن، وذلك ما تكفله القوانين الدولية لكل لاجئ طرد من أرضه.
نحن بحاجة لمنظمة تحرير تجتهد وتسعى لتأهيل وتطوير الشعب الفلسطيني أينما وجد أكاديميا وإجتماعيا وإقتصاديا وأخلاقيا وحتى وطنيا، من خلال صياغة مشروع ثقافي وطني يساهم بتشكيل هوية الإنسان الفلسطيني ليكون الأفضل دائما في كل مجال، مما يجهزه لبذل الغالي والرخيص فداء وطنه.
نحن بحاجة لمنظمة تحرير بعيدة النظر لتخطط من الآن لمستقبل فلسطين بعد تحريرها وتعمل على إيجاد التخصصات والكفاءات التي ستبني الوطن الحضاري المتقدم.
نعم، نحن بحاجة لمنظمة التحرير التي تشعرنا أنها في خدمتنا لنضحي بعد ذلك من أجل أهدافها ومشاريعها الوطنية المتفق عليها ضمن الأطر الشورية والديمقراطية بالغالي والنفيس.
هذا ما نحتاجه ونتمناه بكل صراحة وشفافية.
أو فلنبحث عن إمكانية تأسيس مظلة وطنية أخرى لنحقق من خلالها أهدافنا التي ذكرت.
المقالات التي تنشر في موقع "بـُكرا" تعبر عن رأي كاتبها فقط .. لإرسال المقالات على البريد الالكتروني التالي [email protected]
[email protected]
أضف تعليق