فعلاً، كنا وما زلنا بحاجة إلى مثل هذه «التهدئة» فالشعور بأن الحرب قد اقتربت، هو جزء من خوض الحرب وآثارها الكارثية التي ما زالت تتحقق في كل بيت فلسطيني في قطاع غزة جراء حروب ثلاث متتالية، أقول «كل بيت» مع الإدراك أن عائلات عديدة لم يعد هناك بيت أو سقف يحميها من هذا الشتاء القارس، وكأنه ـ المنخفض الجوي ـ يعلن حرباً من نوع آخر على هذه العائلات، كنا بحاجة إلى تهدئة «التصريحات» المتقابلة بدلاً من قرع طبول الحرب، من الجانبين، حركة حماس من جهة، والدولة العبرية من جهة أخرى!
نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، أشار بوضوح، يوم أمس، إلى أن حركته ليست في وارد التحضير للحرب، لكنها قادرة ـ كما الشعب الفلسطيني ـ على الدفاع عن نفسه في حال فرضت عليه، وهذا التصريح يعتبر رداً على تقولات وتصريحات قادة إسرائيل حول استكمال حركة حماس استعداداتها لحرب جديدة، سواء من خلال إشارة هذه التصريحات إلى إعادة ترميم أنفاق حماس وبناء أنفاق جديدة، أو الأخبار الإسرائيلية المتواترة حول إجراء حركة حماس، وبشكل يومي تقريباً التجارب على صواريخ تطلقها باتجاه بحر غزة.
وبالمقابل، يكشف وزير المواصلات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، عن خطة لبناء جزيرة اصطناعية على بعد 4 كيلومترات من شاطئ غزة، وعليها ميناء ومنشآت طاقة ومطار لنقل البضائع إلى قطاع غزة، وتبرعت وسائل الإعلام الإسرائيلية، بنشر نموذج لهذه الجزيرة وما عليها من منشآت، لكن هذا الكشف، مرتبط كما أشار «كاتس» إلى استراتيجية إسرائيلية جديدة تهدف إلى الانفصال عن قطاع غزة، والانتقال إلى ما أسماه «سياسة الردع».
تناول ما أشار إليه كاتس وكشفه، لا يدور حول مسألة التهدئة فحسب، بل لأن التحليلات الإسرائيلية حول اقتراب الحرب، تعيد إلى الأذهان مقدمات الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة قبل عام، وتشير هذه التحليلات إلى أن أحد أهم أسباب تلك الحرب تعود إلى الأزمات المتفاقمة في قطاع غزة، أزمة إدارة حكم حركة حماس للقطاع، وما أدت إليه من كوارث اقتصادية واجتماعية وبنية تحتية، وأن هذه المقدمات لا تزال تنتصب أمام كل مواطن في قطاع غزة، وحسب تلك التحليلات فإن الهرب من هذه الأزمات من قبل حركة حماس قبل عام، بات أكثر ترجيحاً على ضوء استمرار هذه الكوارث يضاف إليها ما نتج عن الحرب الأخيرة من فشل إعادة ما دمرته تلك الحرب، هذه التحليلات تشير مباشرة إلى أن حركة حماس هي التي هربت في السابق من هذه الأزمات باتجاه جر إسرائيل إلى تلك الحرب، وبالتالي، فإن هذه التحليلات، ومن جديد، تحمل حركة حماس مسؤولية أي حرب جديدة، مع أن طبول الحرب تقرع في الدولة العبرية بينما الجانب الفلسطيني لا يعرب سوى عن استعداده للمواجهة في حال فرضت عليه الحرب، كما جاء على لسان إسماعيل هنية بالأمس.
لذلك، يمكن اعتبار ما كشفه «كاتس» ما هو إلاّ للاستجابة لمتطلبات الجمهور الفلسطيني في قطاع غزة من حاجته إلى التواصل مع العالم والانفتاح على تبادل اقتصادي، يُحسِّن من أوضاع المواطنين الغزيين، الأمر الذي لا يؤدي إلى هرب حماس من هذه الأزمات والكوارث إلى الحرب، وهكذا من الممكن فهم ما كشفه «كاتس» حول «الجزيرة»!؟
هذه الجزيرة، التي ستشرف عليها إسرائيل بطبيعة الحال، لا تحمل الدولة العبرية المسؤولية الاقتصادية لمواطني القطاع، لكنها، أيضاً، وهو ما لم يشر إليه «كاتس» تعتبر هدية لحركة حماس، لكي يتحول الانقسام الفلسطيني إلى انفصال نهائي، مع تراجع الحديث عن الكوارث كما تراجع الحديث عن ويلات الانقسام، وإذا كان الأمر كذلك، من وجهة نظر «كاتس» فإن حركة حماس مطالبة برفض هذا الخيار وأي سيناريو شبيه، والأولى من هذه الجزيرة، أن تفتح إسرائيل كافة المعابر التي أغلقتها، لكي يعود التواصل البشري والإنساني والاقتصادي مع أهلنا في الضفة الغربية المحتلة، ولكي لا نمنح الدولة العبرية فرصة التهرب من مسؤولياتها باعتبارها لا تزال تحتل قطاع غزة كما هو الأمر في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، وفقاً للقانون الدولي!
«جزيرة كاتس» هذه ما هي إلاّ نتاج تفكير حكومات الدولة العبرية، منذ رابين وشارون حول «الانفصال» وبحيث تخلي هذه الدولة مسؤولياتها عن «المناطق المحتلة» باعتبارها دولة احتلال، وكانت تظن أن اتفاق أوسلو سيوفر لها مثل هذا الأمر، وكان هذا ممكناً فقط لو تم التعاطي مع هذا الاتفاق باعتباره مقدمة لقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس، غير أن النهج الاستيطاني أطاح بهذا الاستحقاق تماماً، فاستثمرت الانقسام، لكي تخلي مسؤولياتها عن قطاع غزة ـ على أقل تقدير ـ وتستبيح الضفة الغربية ووأد الهدف الفلسطيني الانتقالي لقيام الدولة الفلسطينية، «جزيرة كاتس» ما هي إلاّ عبور إلى الحلم الإسرائيلي، لذلك يجب التصدي له بكل قوة؟!
[email protected]
أضف تعليق