القرار الذي اتخذه الاتحاد الأوروبي يوم الاثنين المنصرم وينطوي على تصعيد محسوب في معاقبة إسرائيل على سياستها الاستيطانية في الاراضي المحتلة، والتي يفترض ان تتجسد عليها الدولة الفلسطينية في اطار رؤية المجتمع الدولي الذي أجمع على حل سياسي يلبي رؤية الدولتين، هذا القرار، قد لا يلبي تطلعات الفلسطينيين، ولا يتناسب مع حجم الجريمة التي ترتكبها اسرائيل بحق القانون الدولي وقرارات الامم المتحدة.
نعلم أن إسرائيل قامت بحملة دبلوماسية لمنع صدور القرار، أو لتخفيفه إلى أبعد حد، وإفراغه من مضامينه التي تعبر عن غضب الاتحاد الاوروبي ازاء السياسة الاسرائيلية، ولكننا نعلم ايضاً أن ثمة تقصيرا واضحا وفاضحا من المجموعة العربية التي لم تبذل الجهد الكافي لإفشال المساعي الإسرائيلية.
ثمة ما يدعو للاستغراب من موقف اليونان، التي بدا وكأنها تشكل اختراقاً لصالح إفشال المساعي التي قادتها دولة السويد من أجل اتخاذ قرار قوي من قبل الاتحاد الأوروبي، فاليونان معروفة بدعمها القديم للشعب الفلسطيني وقضيته وحقوقه، وبرلمانها اتخذ مؤخراً قراراً بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وحكومتها قررت استبدال تعاملاتها الوثائقية حتى تكون باسم الدولة الفلسطينية وليس باسم السلطة الوطنية.
وتاريخياً اليسار اليوناني الحاكم اليوم، هو من أشد الأحزاب اليونانية دعماً للقضية الفلسطينية، وكان في ذلك يستجيب لدعم وحب الشعب اليوناني لفلسطين وشعبها وقضيتها، فلماذا يكون الموقف على النحو الذي جرى وسبقه موقف بأن اليونان لن تلتزم بقرار الاتحاد الأوروبي السابق الذي اتخذه في تشرين الثاني الماضي بوسم بضائع المستوطنات.
لا يدعو هذا الموقف لتغيير نظرة الشعب الفلسطيني وحبه للشعب اليوناني ونظامه السياسي بقدر ما أنه يدعو العرب لتمثل الدرس الذي يقف وراء الحدث.
ما يبرر لليونان موقفها، لا يمكن فهمه في سياق دعم اليونان للاحتلال وجرائمه، أو في سياق التراجع عن دعم الشعب الفلسطيني وحقوقه وإنما ينبغي فهمه في سياق التزام الحكومة بأولوية مصالحها على مصالح الآخرين. اليونان دولة تعاني من كارثة اقتصادية كادت تطيح بالدولة المثقلة بالديون الخارجية، حتى كادت تبيع أو تؤجر العديد من الجزر، ولأنها في هذه الوضعية فهي مضطرة لأن تراعي مصلحتها مع إسرائيل، وفي مقدم هذه المصالح تزويدها من قبل إسرائيل بالغاز عبر خط أنابيب تحت البحر إلى قبرص ثم إلى اليونان. إن الدول لا تشن حروباً، أو تقيم تحالفات من أجل مصالح دول أخرى، فإن لم تكن لها مصلحة في ذلك فإنها تنأى بنفسها عن مثل هذه السياسة. وفي الصراع من أجل المصالح ثمة فارق كبير بين سياسة التوازن وبين التبعية والارتهان لمصالح واستراتيجيات الآخر، وهو ما يمثل واقع حال العرب عملياً.
كان على العرب أن يصيغوا سياساتهم واستراتيجياتهم على أساس الاعتراف بمصالح الآخرين، وبتداخل هذه المصالح والاستراتيجيات في ظل واقع القرية الكونية، ولكنهم لم يستثمروا لغة المصالح في التعامل مع العالم الخارجي الذي يتكالب على هذه المنطقة، وفي غياب مثل هذه الرؤية، كان على الآخرين أن يتبنوا ويدعوا إسرائيل التي تصادر حقوق العرب ومصالحهم، لأنها تخدم مصالح الغرب الرأسمالي.
وفي البحث المعمق عن دوافع القرارات الاوروبية سنلاحظ انها ناجمة عن رؤية لمصالح الاتحاد الأوروبي، هذه المصالح التي تتعرض للتهديد بسبب استمرار السياسة الإسرائيلية، التي لا تراعي مصالح وتطلعات الاتحاد الأوروبي في المنطقة.
إن لم يكن هذا الشعور بالقلق إزاء المصالح قد بدأ يتسرب لدى الولايات المتحدة الأميركية، فإن استمرار السياسة الإسرائيلية وإمعانها في التمرد على من خلقوها، ودعموا تفوقها، من شأنه أن يجعل السياسة الأميركية تلحق بمثيلتها الأوروبية. وفي الأساس فإن الاتحاد الأوروبي، سيأخذ بعين الاعتبار السياسة الأميركية، أو هو ينسق خطواته معها، خصوصاً بعد أن تولّدت القناعة لدى المجتمع الدولي بأن إسرائيل هي المسؤولة عن فشل عملية السلام، وهو فشل يطال الأطراف الدولية التي احتكرت هذا الملف وإدارته خلال أكثر من عشرين عاماً، بما في ذلك وأساساً الولايات المتحدة، وهي الحليف والضامن الأكبر لإسرائيل.
لقد تجلى الاختلاف حول المصالح والأولويات بين إسرائيل وحلفائها في الموقف من الملف النووي الإيراني، الذي انتهى إلى اتفاق بين إيران والدول الكبرى، ويتجلى أيضاً بحدود معينة في الموقف من عملية السلام ورؤية الدولتين.
من المؤشرات الحديثة لهذا الاختلاف والخلاف ما وقع بالتزامن مع القرار الأخير للاتحاد الأوروبي حيث يعلن السفير الأميركي في تل أبيب شبارو إدانته للاستيطان وانه السبب في تقويض رؤية الدولتين، وفي وصف السياسة الإسرائيلية بازدواجية المعايير في التعامل مع المستوطنين والفلسطينيين. ليس هذا وحسب بل تزامن مع ذلك تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» الأميركية الذي طالب الشركات الكبرى بالتوقف فوراً عن العمل والتعامل مع المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
من الواضح أننا في بداية طريق قد يطول، حيث تضطر الدول والمجتمعات التي خلقت إسرائيل ودعمتها، لاتخاذ المزيد من القرارات والإجراءات التي ستؤدي إلى عزل إسرائيل، التي تعتقد أن بإمكانها أن تستغني عن حلفائها وأن تظهر المزيد من العنجهية ووهم الندية، وكل ذلك بشرط أن يحسن الفلسطينيون والعرب كيفية تعميق هذه التناقضات التي ستنتهي بدفع إسرائيل إلى جهنم كما قالت تسفي ليفني قبل أشهر قليلة.
[email protected]
أضف تعليق