قيام المملكة العربية السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران هي نقطة فارقة في تاريخ المنطقة وقد تكون لها عواقب سلبية على ما تبقى من امن واستقرار في منطقة الشرق الاوسط .السعودية وايران هما الركيزتين الاساسيتين للشرق الاوسط الحديث و ذلك يعود للثراء النفطي المشترك, الحدود المشتركة في منطقة الخليج وطبيعة النظام الثيوقراطي في البلدين, مع الاختلافات بينهما.

السبب المباشر لقطع العلاقات هو اعدام رجل الدين الشيعي والمعارض السلمي للنظام الشيخ نمر باقر النمر. لكن قضية الشيخ نمر هي فقط مسألة رمزية, فالشيخ نمر انتقد في السابق ايران وحزب الله وتدخلهما في السابق. السبب الرئيسي لقطع العلاقات هو استمرار التوتر بين هاتين الدولتين التي اصبحتا اهم دولتين على مستوى الشرق الاوسط. بالرغم من وجود دول اقوى اقتصاديا مثل تركيا و عسكرية مثل اسرائيل الا ان السعودية وايران هما اللاعبين الاساسين على اغلب مسارح المنطقة. فتركيا تركز على العلاقات التجارية مع الدول العربية وتفضل عدم المجازفة في علاقاتها مع ايران التي تقدر بقرابة عشرين مليار دولار كما وانها منشغلة بتصعيد كردي في داخلها اضافة للحرب السورية على حدودها. اما اسرائيل, فبالرغم من تحالفها السري المكشوف مع السعودية ضد ايران الا انها مكبلة الايدي بعد الاتفاق النووي بين القوة العظمى وايران في سويسرا في صيف العام الماضي كما وان اسرائيل منهمكة في هبة شعبية فلسطينية لم نتجح بالسيطرة عليها بعد. بالاضافة لذلك اسرائيل تفضل عدم المجازفة الامنية فيما يتقاتل اعدائها فيما بينهم من جهة وتشتعل حرب اقليمية في سوريا المجاورة من جهة اخرى.

لذلك يمكننا القول ان الشرق الاوسط الجديد مبني علي هيمنة ايرانية سعودية بالاساس. حينما تكون اي منطقة مسيطر عليها من قبل طرفين اساسيين, يصبح استقرار المنطقة مسألة توافق بين تلك القوتين. المشكلة الاساسية ان للسعودية وايران نظرة استراتيجية مختلفة كليا حيال مستقبل ومكانة المنطقة في النظام العالمي. هذا هو اساس الخلاف السعودي الايراني وكل ما نشاهدة من خلاف عسكري في العراق وسوريا واليمن هو تطبيقا لهذا الخلاف.

التوتر المتصاعد بين السعودية وايران سيصل في نهاية المطاف الى نقطة انفجار تستوجب على الطرفين ان يقررا اما اشعال "ام الحروب" في المنطقة او التهدئة وتغليب المنطق و المصلحة الوطنية على العواطف والاحقاد. سحب السفراء وما تلاه من مظاهر غضب وحقد شعبي لدى الطرفان لن يساهما في تغليب العقل على العاطفة.

للنظام العالمي ثقل مهم في مستقبل العلاقات بين البلدين لكن ما يثير الخوف لدى البعض هي السياسة الامريكية التي بدأت تبتعد عن منطقة الشرق الاوسط لصالح مناطق ذات حيوية استراتيجية اكبر في المستقبل مثل جنوب شرق اسيا والشرق الاقصى. ابتعاد الولايات المتحدة عن المنطقة يعني عدم وجود اي وسيط ذو ثقل وتأثير على سياسات الرياض وطهران, وبانعدام الاهتمام الامريكي الكافي, يخشى البعض ان حربا شاملة بين السعودية وايران هي مسألة وقت لا غير.

في المقابل الروس طرحوا انفسهم كوسطاء بين الطرفين لكن السعودية لن تقبل بوساطة روسية نتيجة خلافات البلدين في الملف السوري والعلاقة القوية بين موسكو وطهران. بمعنى اخر, ركيزة الاستقرار الامريكية الروسية التي ارتكزت عليها المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية لم تعد موجودة, وبقي الشرق الاوسط وحدة ليحل ملفات المنطقة.

الصبغة الطائفية للعداوة الايرانية السعودية تزيد من شراسة الاحتقان بين الطرفين, بالرغم من ان الخلاف بين البلدين هو في جوهرة سياسي. خطورة الاستمرار بالتحريض الطائفي هو مساهمة التحريض في شرعنة الحرب والقتل, فقد شاهدنا في اوروبا سابقا وللأسف في منطقة الشرق الاوسط في القرن الاخير عدة صراعات على الهوية والوحشية الفائقة التي تتسم بها تلك الحروب.

لذلك, الحل الوحيد هو تهدئة النفوس وانزال كل من السعودية وايران عن "الشجرة" والوصول لحل سياسي يرضي الطرفين. الحل السياسي يجب ان يبدـ من اسهل ملفات المنطقة وهو انتخاب رئيس توافقي للبنان. القدرة على انتخاب رئيس جديد للبنان بعد عامين من فراغ رئاسي نتيجة التوترات السعودية الايرانية اصلا, سيعجل من حل باقي نقاط الخلاف الاكثر حساسية مثل الملف اليمني و الملف العراقي واهم ملفات المنطقة حاليا سوريا.

للسعودية حساسية خاصة تجاة الملف اليمني كون اليمن تعتبر خطر استراتيجي قديم على المملكة ورفاهيتها الاقتصادية. سيطرة الحوثيين على اليمن او على الاقل على اجزاء اليمن الشمالية ترعب السعودية التي تعتبر سيطرة الحوثيين هي بمثابة موطئ قدم للايرانيين في شبة الجزيرة العربية.في المقابل, ايران تخشى تواجد عربي معادي في العراق, فلم ينسى الايرانيون حرب الاعوام الثمانية ونصف المليون قتيل الذين تكبدوهم جراء الحرب العراقية المدعومة خليجيا انذاك. ايران تعتبر العراق منطقة جوار استراتيجية ويجب ان تكون خالية من اي تهديد ضدها.

لذلك, على الطرفين ان يبحثا موضوعي العراق واليمن بما يضمن الامن القومي لكل منهما. في الملف السوري هناك حاجة للبدء في الحل السياسي وبدء مرحلة انتقال طويلة الامد في سوريا. كل يوم يمر دون البدء في الحل السياسي هو بمثابة قتل متعمد للسوريين من كل الدول المتورطة وقد اصبح من البديهي ان لا حل يضمن وحدة سوريا ونهضتها الا الحل السياسي المبني على التوافق بين النظام وكل المكونات السياسية المعارضة بالداخل والخارج المعنية باقامة دولة مدنية , ديمقراطية وتعددية في سوريا تضمن تمثيل الجميع.

هنالك عوامل اضافية لا تقل اهمية مثل التحريض الطائفي المتبادل على الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي وسبل مكافحتها. بالاضافة لتدخل كل دولة في شؤون غريمتها واستغلال ورقة "الاقليات" ضد الاخرى, فالسعودية تدعم اقليات في ايران كالبلوش وايران تدعم مجموعات معادية للسعودية من داخل الطائفة الشيعية في داخل السعودية. من المفضل الا تتدخل كل دولة في شؤون جارتها وتحريك اقلياتها. كما وعلى كل من ايران والسعودية ان تبذل جهدا حقيقيا في تحسين سجل حقوق الانسان المروع في كلا البلدين, بالاضافة لمساواة حقوق الانسان والمواطن لكل "الاقليات" في داخل دولهم.

احداث المنطقة في السنوات الاخيرة تذكرنا في فترة ما قبل الحرب العالمية الاولى والخلافات الهامشية بين الدول الكبرى التي تطورت مع الوقت لتحالفات عسكرية فحرب عالمية مدمرة زهقت أرواح عشرة ملايين انسان في غضون اربع سنوات. على ايران والسعودية ان يتعلما من التاريخ, لا مصلحة لاي بلد في التصعيد السياسي او الديني. على قيادات البلدين ان يتسما بالحنكة السياسية وطول النفس, لان اي استفزازات اضافية يمكنها ان تشعل اكبر حروب الشرق الاوسط منذ نشأت الحضارات الانسانية الاولى فيها.

طالب في قسم العلوم السياسية في جامعة هيوستون بالولايات المتحدة الامريكية

 

المقالات التي تنشر في موقع "بـُكرا"، تعبر عن رأي كاتبها فقط.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]