خلال الفترة الاخيرة، منذ بدء عمليّات الطعن وحتى حادثة اطلاق النار في تل ابيب، وكما في فترات شبيهة سابقة تميزت بالتوتّر وتخللت عمليّات ذات خلفيّة سياسيّة او جنائيّة، ومواجهات بأشكال مختلفة، علنيّة ومخفيّة، بين بنات وابناء الشعب العربي الفلسطيني (في فلسطين واسرائيل)، وبنات وأبناء الشعب اليهودي، بتنا نشعر جميعاً بتغيير في واقعنا اليوميّ، و"بتشويشات" للروتين الذي تعوّدنا عليه. لكن في الحقيقة هذا الشعور ما هو الا انكشاف للواقع الصعب الذي نعيشه منذ فترة طويلة، ولكننا تعلمنا مع مرور الوقت ان ننكره، وربما نكون قد اعتدنا عليه - واقع العنف والاحتلال واستمرار الصراع - كيف لا ومعظمنا ولد داخل هذه الدوائر!

في هذه الأيام المتوترة والمضطربة، نحن مجبرون على وقف الإنكار والتغاضي عما يجري حولنا، وفتح أعيننا على الواقع القائم ودوامة ما يجري داخله:

على العنصرية المتفاقمة، وتحميل كل عربي وعربية المسؤولية الشخصية عن كل فعل يقوم به عرب اخرون تجاه المؤسسة الحاكمة او المواطنين في الدولة. التوقع الدائم بأن نعتذر، نحن الشعب والافراد، مرة تلو الأخرى، عن كل الشر الذي فينا، وبأن نشكر مرة بعد مرة، دولة القانون، القوية، وذات السيادة والرأفة، على كل الخير الذي فيها وعلى منحنا، نحن "أعدائها"، فرصة الاستمرار في العيش في وطننا.

على الاشتباه بكل عربي بفعل العروبة فقط، وملاحقة كل عربي على خلفيّة انتمائه القومي، والوطنيّ. على تفتيش منازل وشقق الشباب العرب بشكل تعسفي وعنيف، ونزع الشرعية عن الآخر لمجرد انه مختلف، والتشكيك بإنسانيّته. العقوبات الجماعية ومقاطعة المصالح والبلدات العربية الذي أصبح امرًا سهلاً (ففي عين الأغلبيّة، هم ليسوا أكثر من مساحة للراحة والسياحة والطعام الجيّد)؛ استمرار نهج الهجوم على المواطنين العرب، والهروب من القاء المسؤولية على المسؤولين الحقيقيين عن كل ما يحدث: عن عقود من الاحتلال وسنوات طويلة ومريرة من التمييز السلطوي الموجّه تجاه الاقليّة العربيّة، وعن إهمال مجتمع بأكمله في جميع مجالات الحياة. عن التغاضي عن التعامل مع العنف والاقتتال "الداخلي الفلسطيني" ضد النساء والأطفال والجيران وأهالي نفس القرية، ونفس المدينة. و"الصحو" فقط عند الخروج من الدائرة المحلية إلى دائرة الأغلبية المؤثرة والمقررة. هذه ليست مساواة، هذه ليست ديمقراطية.

العرب الفلسطينيون في إسرائيل هم مواطنون بحق وليس بمنة من أحد، شعب اصلاني يعيش على أرضه في دولة تتصنّع الديمقراطية. وكمن نعيش في دولة تعرّف نفسها بأنها ديمقراطية، لدينا الحق في الكرامة والمساواة في التعليم والصحة واللغة والثقافة والبنى التحتية وكل الجوانب الحياتية. الغالبية المؤثرة تتناسى بسهولة مفرطة هذه الأمور في الأيام العادية، وبسهولة أكبر في فترات التوّتر حين تكون الاجواء مشحونة. لا شك أن هذا ليس نظامًا عادلاً ومتساويًا، وهذه ليست ديمقراطية:

استبعاد جمهور كامل من آليات اتخاذ القرارات التي توثر عليه أيضًا، ومن الحياة العامة في الدولة - هذه ليست ديمقراطية. التعامل المختلف لمن يفترض انهم متساوون في الانسانيّة والمواطنة - هذه ليست ديمقراطية. استخدام الديمقراطية كآلية لضرب مؤشرات واضحة وأساسية لكل مجتمع ديمقراطي - حرية التعبير وحرية التأطير، من اجل ضرب الأقليات القومية والسياسية والاجتماعية - هذه ليست ديمقراطية. تحريض المسؤولين الحكوميين ضد قطاعات واسعة من المواطنين، في كل فرصة وفوق كل منبر - هذه ليست ديمقراطية. اشتراط احقاق الحقوق بتنفيذ الواجبات - هذه ليست ديمقراطية.

هذه ليست ديمقراطية، وليست حالة مؤقتة. هذا هو واقعنا منذ عقود، وهناك من هو مسؤول عنه.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]