تشهد المنطقة العربية والإقليمية حشداً من التحالفات المتقاطعة والمتشابكة والمتعارضة في آن، لم يسبق أن مرّت هذه المنطقة بهذا العدد من الأحلاف والتوافقات والتعارضات، هذا الازدحام هو سمة الخارطة السياسية لمنطقة كانت دائماً بؤرة النزاعات والحروب، لكنها في هذه الآونة باتت العنصر الأكثر تفجُّراً على خريطة العالم، وعلى الرغم من توافقات أولية لحل النزاعات، كما هو الأمر عليه في الاتفاق على عقد مؤتمر جنيف حول سورية في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، وكذلك استئناف المحادثات بين أطراف النزاع في اليمن، إلاّ أنه وفي كل مرة، تظهر تطورات وتبرز مستجدات تؤثر بشكل مباشر على مثل هذه التوافقات حتى مع الإعلان عن أن ذلك لن يكون له تأثير عليها، إذ أن واقع الأمر أن سياسة التحالفات الجديدة من شأنها أن تلعب دوراً مؤثّراً على صعيد محاولات فك الاشتباك والتوصل إلى حلول، ولو أولية، للأزمات المتعددة في هذه المنطقة الملتهبة والتي باتت تهدد العالم كله بامتداد اللهب إلى كل الأرجاء.

وزاد من مستوى الاحتقان السياسي والأمني في هذه المنطقة إقدام السعودية على إعدام المعارض السعودي الشيعي نمر النمر، ورد الفعل الإيراني باقتحام وإشعال النار في سفارة وقنصلية السعودية في طهران ومشهد، الأمر الذي اعتبرته الرياض تدخلاً سافراً في الشأن السعودي، كما هو الحال في التدخل الإيراني في اليمن والبحرين، حيث بدا الإعلان عن ترحيل السفراء الإيرانيين من كل من الرياض والمنامة، وإجراءات دبلوماسية أقل درجة من قبل كافة دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة عُمان، ولحشد الموقف الخليجي والعربي والإسلامي خلف السعودية في هذا الوقت، عقد مجلس التعاون الخليجي اجتماعاً طارئاً، أمس، أكد على وقوف كافة دول الخليج في المواجهة مع إيران إلى جانب السعودية، إلاّ أن البيان الختامي لم يلحظ أي تصعيد عملي مع أن لغة الخطاب كانت قوية وحاسمة، وفي نفس الوقت دعت الجامعة العربية إلى اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة اليوم الأحد، ومن المتوقع أن يتخذ نفس الموقف، وإضافة إلى ذلك، هناك دعوة لاجتماع مماثل للمؤتمر الإسلامي، في تصعيد سعودي واضح في المواجهة المفتوحة مع إيران.

إيران بدورها، وفي أعقاب إعدام النمر، ومن خلال وسائل الإعلام التابعة لها، شنّت هجوماً كاسحاً على السياسة السعودية في المنطقة، إضافة إلى مهاجمة سفارتها وقنصليتها في البلاد، إلاّ أن طهران عادت وأظهرت تراجعاً في هذه الحرب السياسية، واستغلت إقدام «التحالف العربي» بقيادة السعودية على قصف سفارتها في صنعاء، لترسل رسالة شجب إلى الأمين العام للأمم المتحدة، صاغتها بشكل يشير إلى أنها غير راغبة في التصعيد الذي من شأنه أن يزيد من تأزيم المنطقة، غير أن هذه الرسالة، وصياغتها الحذرة، لم تكن كافية لإقناع السعودية لوقف عملية التحشيد العربي والإقليمي ضد إيران.

والواقع أن التأزّم والتوتّر بين طهران والرياض لم يبدأ مع إعدام الشيخ نمر النمر، وقادت العاصمتان منذ وقت ليس بالقصير حرباً باتت عنواناً تجاوز عنوان الربيع العربي منذ خمس سنوات، غير أن هذا التأزّم سبق الاحتقان الطائفي والمذهبي المعلن لسنوات عديدة وبدأ عملياً منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وجاء تأسيس مجلس التعاون الخليجي بعد ذلك بعامين ليشير إلى أن دول الخليج العربي باتت أكثر قلقاً من الشعار المعلن لثورة الخميني، بتصدير الثورة، ومن ثم فإن احتلال السفارة السعودية بطهران عام 1987 أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية رسمياً تتويجاً لأزمة استفحلت بين الجانبين، إلاّ أن التوتر بات موارباً مع غزو الكويت من قبل العراق عام 1990، وتحسنت العلاقات نسبياً مع فوز محمد خاتمي برئاسة إيران، إلاّ أن الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أدى إلى تزايد النفوذ الإيراني في العراق، وهدد بشكل واضح الدور السعودي في المنطقة خشية من امتداد التوترات إلى المنطقة الشرقية للمملكة والتي تعتبر الخزان النفطي الأساسي للبلاد، إضافة إلى أن مواطني هذه المنطقة من المذهب الشيعي في الغالب، وكان فوز محمود أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية في إيران عام 2005 قد شكل عودة إلى مزيد من التوتر والتأزّم الذي استمر حتى يومنا هذا، متغذياً من مختلف أشكال الصراعات والحروب التي لا تزال تشكل العنوان الأبرز للخارطة السياسية والأمنية في هذه المنطقة.

إن الاحتقان بين طهران والرياض، يشكل معضلة أساسية لها انعكاساتها الخطيرة على المنطقة برمتها، ليس فقط بسبب تأثيره المباشر على المساومات والمصالحات المحتملة في كل من سورية واليمن، ولكن لأن هذا الاحتقان له آثاره على مستقبل المنطقة على ضوء اتخاذه من النزاعات المذهبية عنوانه الأساسي، في السابق كنا نشهد خلافات بين الحكام والدول، دون أن يؤثر ذلك على علاقات شعوب المنطقة، اليوم، هناك انقسام حاد على أسس عقائدية وطائفية ومذهبية باتت تشكل أساساً لحروب بين شعوب المنطقة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يقود المنطقة وشعوبها إلى تهلكة لن يربح بها أحد!! 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]