يدخل الاسير كريم يونس عامه ال 34 مفتتحا سنة اخرى في حياته المحشورة والمخنوقة والاطول في سجون الاحتلال، موجها وجهه الى تلك الشمس التي ظلت مختبئة في ظلال العتمة حتى تحجر فيها الشعاع وفقئت عين الفضاء.
كريم يونس الشاهد العالمي على اطول احتلال في التاريخ المعاصر، وعلى اطول حرب ضد الانسان وروح الانسان، القابع في سرمديته المؤبدة وزمنه اللامنتهي بين القضبان، يفتح كتابه الجديد على ذلك اليقين الاعجازي الذي مكنه من الوقوف على قدميه دون ان يسقط متعثرا في الغموض وفي القيود، واضحا جسدا وفكرا امام سجان هرم مع سلاسله وجدرانه ومفاتيحه طوال تلك السنين.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة لكريم يونس في سجون الاحتلال، وقد سجل خطواته خطوة خطوة منذ النكبة حتى صعود الفاشية والظلامية في دولة اسرائيل، وسجل انتصاراته الرمزية منذ ان اعترف العسكر في تل ابيب ان هناك قوة اخرى يملكها الشعب الفلسطيني لم تكتشفها الاسلحة النووية الاسرائيلية ولا رادارات الطائرات الحربية، ولا دبابات المحتلين وقناصة الاعدام في شوارع فلسطين.
صار كريم ضجيج الحيرة والقلق والاسئلة الوجودية في دولة اسرائيل، ولأنه لازال هناك مبتسما جميلا، لم يصلوا الى ارض الميعاد، ولم ينزعوا قلبه النابض بالحصى والتراب وصوت السماء .
صار كريم ساعة الوقت الفلسطينية ، يضبطها كما يشاء في اختيار رحلاته من زنزانة الى زنزانة ، من موت الى موت ومن حياة الى حياة، وكما يشاء يختار متى يشحن زمنه بدم الوقت.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة وكريم يونس صامد تحت المقصلة يرتدي بدلة الاعدام الحمراء، يهبط ويرتفع ، يشهق ويغني، ويرى الحياة ابعد من سجن ومعسكر لدولة لا تجيد سوى اطلاق النار وملاحقة الاطفال، ليرى نفسه يرتدي شجرا ، متمردا على نظام السجن والنسيان.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة وكريم يونس يراقب استراتيجيات دولة اسرائيل التي تتضخم عسكريا وكراهية، وتستعد على مدار الساعة للحرب وبناء السجون، وتجريف الارض وقتل الجماد والنبات، وسرقة الماء والهواء واصطياد المكان.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة ولازال يفتح قلبه على كل اتجاهات الوقت، على النهايات والبدايات، يرى كيف يفرح الشهداء، ويمشي الاسرى فوق الغمام، يشعلون دمهم في الليل، ويهداون عندما يلمع ضوء من أقاصي الجليل.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة وهو يحلم ويحلم، يمر عن حاجز وحاجز، يودع شهيدا اسيرا ويستقبل آخر، الحيطان دم، الابراش مشحونة بأنفاس من جاءوا ومن رحلوا ، يرفض ان يستضيف غير احلامه الاسيرة، يتحرك في النوم وفي اليقظة، مؤكدا ان خطانا لا تتقدم الى فراغ في زنزانة او صدى، خطانا هناك في القدس.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة، وهو يشاهد هستيريا الجلادين في أقبية التحقيق، هستيريا المعسكرات والسجون والقوانين العنصرية التي احتشدت بالبارود والحديد، ليتكيء كريم على دعاء امه الصابرة، لا يغرق، نراه طافيا في ماء الوقت.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة والتابوت مفتوح على المدى، اسرى هناك في غرف الموت، ينهض كريم من فخ الوقت الاسرائيلي ، يطير بذاكرة من اجنحة ، يتجاوز الجدران والعتمة والطرق المسلحة، يصل قريته عارة، حاملا من البراهين سلاما للارض الانثى ولعطرها المالح وللغيم.
اثنا عشر الف يوم وثلاثمائة الف ساعة، لم يكن مطيعا للوقت الاسرائيلي ، لم ينصهر كما ارادوا، لم يدر خده الايسر قبل الصلب وبعد الصلب، صوته يدق في داخله، موسيقى تنقطع وتتصل في حوار مع المد والجزر ، صوته يحفظ الريح عن ظهر قلب، لكريم يونس اصابع تعزف بين السجن والموج، يمضي حياته كلها في ولادة دائمة.
اثنا عشر الف يوم، وثلاثمائة الف ساعة وكريم يونس يسأل الكرة الارضية: ما هذا العالم، عالم الديمقراطية والحرية؟ هل سيبقى ، حقا يداً مقطوعة تعزف على قيثار أخرس؟ ولا تنام عيون البنادق الا في وجوه الاطفال؟
[email protected]
أضف تعليق