التقط سفيان عدوي مفارقات «الفشخة» بين عام انصرم وآخر هلّ. قال في جناس لغوي: «فقط في فلسطين: أعراسنا جنائز وجنائزنا أعراس!». قل، أيضاً، بين مسيرات اليوم الأول، بعد يوبيل «فتح» الذهبي، وتشييع جثامين 17 شهيداً في الخليل. أو قل: بين أسوأ عام اقتصادي غزي، وإقبال غير مسبوق على حجز مكان في فنادق غزة ومطاعمها! كأن مفارقات الحياة الفلسطينية أشبه بفيلم درامي لمخرج سينمائي طليعي عن قوة الحياة في هذا الشعب، وقالت عنها صحhفية إسرائيلية تقيم بيننا: «الفلسطينيون هم سادة الصبر»! سألتفت إلى غير ما التفت إليه الزملاء في كتاباتهم عن حصيلة سياسية في تقييم عام انصرم، واستشراف عام جديد. صدرت عن الحكومة خطوط ميزانية العام الجديد، في ضوء العام القديم، أو ما يمكن وصفه «عدّ الفلوس». وعن جهاز الإحصاء المركزي صدر، مطلع العام، ما يمكن اعتباره تقدير «عدّ النفوس» في فلسطين السلطوية، وتلك التاريخية.. وفي الشتات.
إلى هذا وذاك، صدرت عن مكتب «أوتشا» التابع للأمم المتحدة إحصائية عن عدد الشهداء في مجمل العام الماضي، وعدد المنازل الفلسطينية المهدومة بفعل إسرائيلي. من مقارنة جزئية بين ما ورد في إحصائية «عدّ الفلوس» وما ورد في إحصائية «عدّ النفوس» نعرف أننا سنمر في عام صعب. لماذا؟ الخصوبة الفلسطينية العامة تتراوح بين ازياد نسبته 4% مقابل نسبة نمو في الاقتصاد مقدارها 1.5% في العام 2015، وكانت صفراً في الشهور الأولى من ذاك العام، بسبب حجب أموال المقاصة أربعة شهور. في سنوات سبقت الانتفاضة الثانية، كان الاقتصاد الفلسطيني السلطوي ينمو بنسب تتراوح بين 6% وحتى 8%، وكانت معدّلات خصوبة الولادات العامة حتى 6% سنوياً (مع فوارق طفيفة لصالح قطاع غزة).
في سنوات الازدهار كانت مهمة الحكومة هي، أساساً، «الحوكمة» وفي سنوات الانكماش صارت مهمة ميزانيات السلطة هي «الترشيد»، أي التقشف. السبب متعدد، لكن الرئيسي هو انخفاض المنح الخارجية من 1.2 مليار دولار سنوياً (2007 ـ 2012) إلى 700 مليون عام 2015.
من أصل موازنة مقدارها 4.25 مليار دولار يذهب 3.9 مليار للنفقات الجارية و350 مليون دولار للتطوير (معظمها إلى غزة) ومع فجوة تمويلية مقدرة بـ 386 مليون دولار. ترشيد النفقات أثار لغطاً واحتجاجاً، لأنه كان يعني ضبط بند مواصلات موظفي الحكومة، وخصم مستحقات الكهرباء عن الموظفين المتقاعسين، وكذلك ترشيد المصروفات لأسر الشهداء والأسرى. الجانب الآخر من التقشف والترشيد هو زيادة مقدارها 3.1% في الرواتب والأجور، وزيادة الدفعة الشهرية لهيئة التقاعد من 10ـ20 مليون دولار لضمان ديمومة صرف المخصصات التقاعدية، هذا إذا تم توسيع القاعدة الضرائبية وتحسين الجباية، وترشيد التحويلات الطبية، ومجموعها مقدّر بـ 2.1% عام 2016 مقارنة بالعام الذي سبقه. في إحصائية «عدّ النفوس» التقديرية قد يتساوى عديد الفلسطينيين واليهود في العام 2017، بينما يبلغ عدد رعايا دولة فلسطين 4.75 مليون الآن، منهم 2.9 مليون في الضفة و1.85 في غزة، و1.47 في إسرائيل.
الشعب الفلسطيني ذو هرم عمري فتي حيث 34.8% أقل من سن الـ15 في إسرائيل و4.2% فوق الـ60 سنة، وعما قريب سيتساوى عديد الفلسطينيين في العالم 12.37 مليون حالياً، مع عديد اليهود في العالم. المهم أن عديد الفلسطينيين في إسرائيل تجاوز عددهم في فلسطين التاريخية عام النكبة. فإلى إحصائية مكتب «أوتشا» للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، حيث قُتل في العام الماضي 170 فلسطينياً و26 إسرائيلياً، منهم 141 فلسطينياً مع بدء الانتفاضة الجارية و22 إسرائيلياً وحوالي 63% من القتلى الفلسطينيين نفذوا أو اتهموا بتنفيذ عمليات. هناك 15377 إصابة فلسطينية و350 إسرائيلية. وهدمت إسرائيل 539 مبنى يعود للفلسطينيين بما فيها القدس الشرقية، معظمها بذريعة عدم الترخيص و19 أخرى هدم عقابي لمنازل منفذين لعمليات ضد إسرائيليين. *** خارج إحصائيات عدد الفلوس والنفوس، ربما كان العام المنصرم ذروة في توزيع رئيس السلطة أوسمة تكريمية وتقديرية على شخصيات فلسطينية وعربية. لا أعرف عدد الأوسمة ودرجاتها، لكن يبدو أن آخرها كان أرفعها وقلّده رئيس السلطة لعاهل السعودية، وهو من رتبة وسام القلادة الكبرى لدولة فلسطين! واستحقت فلسطين «أوسمة اعتراف» بها من ثلاث دول: السويد، اليونان والفاتيكان.
[email protected]
أضف تعليق