رغم أن المفاوضات، وحتى الاتصالات _ إلا بحدودها الدنيا، منقطعة بين الجانبين الرسميين، الفلسطيني والإسرائيلي، منذ نحو عامين، ورغم أن انسداد أفق العملية السياسية، بتقدير معظم المراقبين والمتابعين كان أحد أسباب اندلاع الانتفاضة الثالثة، منذ ثلاثة أشهر، إلا أن الجانب الإسرائيلي ما زال يرفض العودة للمفاوضات، على قاعدة المطالب الفلسطينية، ويشترط عودة "الهدوء" ومن ثم يفكر بالقيام بخطوات سياسية مع السلطة الفلسطينية!
يبدو أن الجانب الفلسطيني، قد اعتقد بأنه يمكن إجبار الحكومة الإسرائيلية على التقدم تجاه مفاوضات وفق الشروط الفلسطينية المعروفة والمعلنة، وهي تجميد الاستيطان وإطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى، واستئناف المفاوضات على أساس حدود 67، وذلك تحت ضغط مزدوج متمثل بحراك انتفاضي شعبي سلمي ميداني مترافقاً مع تحرك سياسي / دبلوماسي دولي، ورغم أن هذا الضغط المزدوج ضروري، بل وكان ضرورياً طوال وقت التفاوض (أي خلال عشرين سنة مضت) لكنه من غير المتوقع أن يحدث النتائج المرجوة فوراً، أو بعد أسابيع أو أشهر قليلة من انطلاقه.
فحتى الآن، تظهر إسرائيل رباطة جأش، وذلك نظراً إلى أن الانتفاضة الثالثة اندلعت في ظل انقسام داخلي، واقتصرت على الشباب، بل وحتى على مناطق محدودة (القدس والخليل وبعض الجوار)، كذلك فإنها تحدث في ظل ظروف إقليمية مختلفة عما كان عليه الحال عام 1987 وحتى عام 2000، في ظل حروب إقليمية تجعل من تسليط الضوء الإعلامي الإقليمي والدولي عليها محدوداً، أو ليس كبيراً.
يمكن القول: إن الحالة الفلسطينية / الإسرائيلية الآن هي حالة عض أصابع، والمهم أن يتقدم الفلسطينيون تجاه الوحدة الداخلية، حيث هناك بريق أمل خافت يتمثل في متابعة مبادرة الشعبية / الجهاد، التي شكلت من أجل متابعتها السلطة لجنة رسمية، لعل وعسى أن يتم تنفيذ أول وأهم خطوة عملية على طريق الوحدة، وهي فتح معبر رفح، ليس لأنه يخفف عن الناس ويفتح الباب واسعاً أمام عملية المصالحة وحسب، بل لأنه يغلق أبواباً أمام طموحات إقليمية، بربط قطاع غزة بمشاريع تطرح علناً، إن كان من قبل تركيا أو قطر، متقاطعة مع رغبة إسرائيلية حقيقية بدفع القطاع للانفصال نهائياً عن الضفة الغربية وتحوله إلى ما يشبه الدولة، أو كجزء من دولة أخرى غير فلسطين / الضفة بالطبع.
طال الزمان أو قصر فإن إسرائيل مطالبة بإيجاد حل لاحتلالها في الضفة الغربية، وهي لم تعد معنية تماماً بالتوصل لهذا الحل مع قيادة فلسطينية ما زالت تصر على أن يكون الحل على أساس الخروج التام لإسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67، القدس والضفة والقطاع بالطبع، وعلى أساس وحدة هذه الأراضي، وكمقدمة لإقامة الدولة الفلسطينية الموحدة عليها. إسرائيل باتت تسعى بشكل واضح إلى الذهاب لفرض حل أحادي على الضفة الغربية بما فيها القدس بالطبع، ذلك لكونها تدرك بأنها غير قادرة على الاحتفاظ بها كأرض محتلة، وأنها إذا كانت قد نجحت بالاحتفاظ بها خلال الحرب الباردة وخلال سنوات الانشغال الإقليمي والدولي بفتح الدول العربية المركزية، فإن هذه الحال من المحال أن تظل للأبد، ولأن "ضم" الضفة الغربية بالكامل "لدولة إسرائيل" أمر مستحيل بالنسبة لها، لأنه يعني انتحار "الدولة اليهودية" التي ستذهب بذلك لأن تتحول إلى دولة ثنائية القومية، حتى لو لجأت للفصل العنصري، فإنه لا يبقى أمامها إلا الحل أحادي الجانب.
إن ظهور التقديرات التي تشير إلى أن العام 2016 ربما يشهد حلاً في سورية، سيعني أن أمام إسرائيل عام أو اثنان لتجد لها حلاً مع الضفة الغربية، لذا فإنها ستسعى للرد على الحراك الانتفاضي وعلى التحرك السياسي / الدبلوماسي الفلسطيني، باحتوائهما من جهة، للإبقاء على زمام المبادرة بيدها، وفي الوقت ذاته، التحرك ميدانياً للذهاب لحل أحادي يكون من شأنه تحقيق الفصل بين مستوطناتها في الضفة الغربية والتجمعات السكانية الفلسطينية فيها.
أي أن تحتفظ في نهاية المطاف بكل ما طالبت به في السابق، وهو نحو 40% من مساحة الضفة الغربية، إضافة لغور الأردن، وبالطبع احتواء القدس الشرقية، في حال الفشل في الاحتفاظ بها "موحدة" تحت سيطرتها.
علينا ألا ننسى أن انسداد الأفق السياسي عام 2000 بعد كامب ديفيد قد فتح الباب للانتفاضة الثانية التي جاءت بحركة حماس كشريك مناكف لسلطة فتح، وإسرائيل تسعى بعد انسداد الأفق مجدداً، وفي مواجهة الانتفاضة الثالثة إلى إيجاد شريك ثالث أو أكثر، وهناك _ مثلاً حزب التحرير القوي في القدس والخليل بالذات، وربما أن إسرائيل تجد في "انهيار" اقتصاد مثلث الخليل/ القدس/ نابلس، عاملاً مساعداً لبث الفقر والفوضى، كبديل لانهيار السلطة، بحيث تفرض عند خروجها من الـ60% من الضفة المعازل السياسية تحت سيطرة العديد من القوى والفصائل، في محاولة "لسورنة" الضفة الغربية، أي تشجيع سيطرة القوى المختلفة / المتشددة والمتنازعة، غير الموحدة، على هذه المناطق، ما سيفرض حالة المعازل، وحينها لن يكون هناك من حل أمام الفلسطينيين إلا الحل الإقليمي بديلاً عن الحل الوطني!
[email protected]
أضف تعليق