يستحق هذا المناضل الثوري الدرزي اللبناني الفلسطيني القومي العروبي، ان نكتب اليوم من فلسطين ولو سطراً واحداً بجوار راحته الأخيرة، ذاك الذي ارتبطت سيرته او لعلها مأساته الشخصية وبطولته بالمأساة، تراجيديا العرب الكبرى القضية الفلسطينية. هذا هو اذن، وداعاً لمن يبدو اليوم في المشهد المتأخر من أزمان الثورة الغابرة، كأنما الحارس الأخير الذي يخرج من المشهد ويغلق البوابة وراءه بإسدال الستارة على حقبة من أزمان مضت.
الوداع اذن سمير القنطار، وداعاً في النهايات كما على صورة البدايات، ليس على فراش المرض او الموت او مدى النسيان، ولكنما شهيدا شهيدا شهيدا كما النهاية التي مضى اليها صانع هذا الزمن وبطله العظيم. وهذا سطر يكتب في واجب الوقت، حينما يبدو ما بين الولادة والموت اكثر تماهياً في إيحائه بين ذكرى ميلاد هذه الحركة العظيمة وموت الرجل، التي كانت بمثابة العباءة او الخيمة التي انسل من خيوطها او تحت مظلتها كل هذا الجيل من المناضلين، لبنانيون وسوريون وعراقيون ويمنيون وتونسيون، وجدوا خلاصهم وإلهامهم الفردي كما الجماعي في ثورة هي بمثابة الجمهورية «كومونة باريس» الطوباوية الحالمة، ولكن التي تتحقق على الأرض باعتبارها هي الملاذ والجواب على كل أسئلة الواقع العربي او «الزمن الرديء». سؤال التخلف والتأخر، سؤال الانقسام والتجزئة وفشل الدولة العربية المركزية وفشل شعار الوحدة.
فقد ادركوا مبكراً وعند مهاد هذه الثورة والحركة، ان الجواب والحل هنا ومن هنا يبدأ، من إعادة الاعتبار لفلسطين القضية حجر الزاوية الذي اسقط في سايكس بيكو، حجر الزاوية الذي تحدث عنه السيد المسيح ومن دونه لا يمكن ان يصلح البناء او يستقيم.
كانت هذه الحركة والثورة في العام 1979 حين ركب سمير القنطار البحر الى فلسطين، لا تزال في عمر الرابعة عشرة مثلما القمر في اكتماله كأنه بدر الشام، او قمر الرحابنة في أغنيات فيروز، او قمر محمود درويش مطلا على بعلبك. وكأنها هي الرقم الصعب الذي يقبض على العالم بإصبعيها.
هنا في الرابعة عشرة، أميركيون جنوبيون وهنود حمر وإيرانيون وأكراد. هنا مضطهدون من كل ارجاء العالم آسيويون وأفارقة عرب وعجم فنانون وأدباء شعراء ومثقفون، مفكرون وصعاليك، كانوا يحجون الى هذه الجمهورية.
وهنا في السابعة عشرة العام 1982 في معركة بيروت المحاصرة، سوف تجدهم مقاتلين على خطوط التماس في الخطوط الأولى من الجبهة. هنا ستسأل صحافية إيطالية وقد اهدت إيطاليا الفائزة بكأس العالم هذا الكأس الى فلسطين، «الا تشعر بالخجل من نفسك أيها الجنرال؟».
قلتم انكم تحاربون مجرد جماعة إرهابية، وها هم بعد ثلاثة شهور من المواجهة وحربكم معهم يخرجون بصورة منظمة بسلاحهم وثيابهم العسكرية، حالقي الذقون كجيش دولة محترف، تحت غطاء تقدمه لهم ثلاث جيوش دول كبرى هي أميركا وفرنسا وإيطاليا وبحراسة من سفنهم الحربية لانسحابهم. «أي عار؟ «. كان هذا الجنرال هو أرئيل شارون.
وقد لا تشبه هذه الحركة في عامها الواحد والخمسين صورتها الأولى في عنفوان شبابها وبطولتها، وقد يجب ان يمر الوقت لكي تنضج الحركات الثورية كما الثمار الناضجة على الأشجار. وقد لا يبدو جيلها الثاني الذي يغمر قيادتها اليوم بمستوى جيلها الأول، الشيوخ الذين قضى معظمهم. ولكن الحقيقة التي لا جدال حولها اليوم انها اقرب من رام الله منها من بيروت الى القدس، وأنها اقرب الى الدولة، جمهورية فلسطين الديمقراطية من رمية حجر او جمحة فرس، بينما جيل من يعتبرون في عمر أحفاد شيوخها، وفي عمر البراعم اليانعة، هم اليوم من ينخرطون في انتفاضة الفلسطينيين الثالثة، ويشكلون وقودها في تجسيد نبوءة عرفات، جيل وراء جيل في هذا الصراع الذي يدور على محور الزمن.
وهذه دولة لا ينضج عقلها مع الوقت، وإنما تزداد تخشبا وتيبسا في أفكارها والسير على تقاليدها القديمة، كدولة تختزل في قبيلة، تنقاد الى مواصلة الثأر والانتقام بعقلية القبائل البدائية وغرائزها لا بعقلية الدول وقوانينها، وكان هذا بعض الدافع الى هذا القتل حتى خارج الحدود مجدداً، وكأن الحساب لا يغلق عبر المحاكم بالاعتقال، وقد أمضى القنطار 29 عاماً، لكن غليل القبيلة للثأر لا يشفى الا بشرب الدم والدم والدم، الذي يجب ان يظل ينزف على الحواجز حتى الإعلان بعد مضي ساعة او ساعتين عن تصفية من حاول الطعن.
ولكن هل ذهبوا الى اغتيال القنطار لأنه كان يشكل تهديدا جديا ومتواصلا ضدهم؟ ام ان وراء الأكمة ما وراءها الى جانب غريزة القبيلة في الثأر؟ وهذه هي بعض الأسئلة التي يمكن طرحها:
هل أراد نتنياهو الذي يشعر بالمأزق في مواجهة انتفاضة الفلسطينيين الثالثة، التي لا تشبه الأولى ولا الثانية، وقد اسقط في يده حيث لا يملك جوابا عليها، الذهاب الى هامش المناورة والتحرش بحزب الله لاستدراج مواجهة لحرف الأنظار عن المواجهة مع الفلسطينيين في القدس والضفة؟ وهل يريد من وراء افتعال هذا المشكل توجيه رسائل مزدوجة الى أميركا وروسيا معاً، بحثاً عن استدراج دور في الترتيبات او التسويات المقبلة.
رسالة الى أميركا بأن إسرائيل لا تزال قادرة على لعب دور ضد المحور الإيراني والروسي اذا أردتم دورا لنا في ذلك. والى روسيا في ذروة إدارة الحوار مع تركيا واستقبال الرئيس الأوكراني عدو روسيا، هيا نتفق على رسم الخطوط بيننا في سورية، يكون فيها الجولان لنا ومحيطها مجالنا الحيوي خطنا الأحمر، ولكم شمالها شمال.. سورية وساحلها. أما الهدف من وراء كل ذلك فهو قطع الطريق ربما على ما يتوجس به الرجل أي نتنياهو، من ان يكون التوافق في مجلس الأمن بين أميركا وروسيا على تسوية الأزمة السورية مقدمة للاتفاق هنا على تسوية الملف الفلسطيني. وعليه فان السؤال يبقى عما قاله بوتين له في المكالمة التي جرت بينهما بعد ان قام بإحراج روسيا باغتيال القنطار؟ وعن حدود رد حزب الله المقبل. وعما اذا كان الأميركيون هم في وارد ان يقبضوا هذا الدور؟ بينما الاعتقاد والتوجه السائد لديهم هو ضبط هذا الدور، اذا كانوا يجاهرون اليوم بالتوصل الى حقيقة الربط بين التطرف والإرهاب وتجاهل المظلومية الفلسطينية، وانه من هنا يجب الحل.
[email protected]
أضف تعليق